يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: “تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك”.
الزوجة المثالية
ويتناول الحديث أربعة مطالب وهى:
الدين، المال، الحسب، الجمال، فالدين هو أهم المطالب التي ينبغي على راغب الزواج أن يجعله نصب عينيه، فيتخير الزوجة الصالحة ذات الدين فهي التي تعينه على دينه ودنياه وآخرته، وتصون شرفها وعفافها، وتحفظ على زوجها كرامته، فيأمن معها ويسكن إليها، وتشرق بينهما المودة والرحمة، لذا نهى الإسلام عن أن تكون مطالب الحسن أو المال مقصودة لذاتها، فإن الزوج لا يأمن معها غائلة الفتنة، فقد يهلك المرأة حسنها وقد يطغيها مالها، روى ابن ماجة بسنده عن عبد الله بن عمرو: “لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأَمة سوداء ذات دين أفضل”.
وكما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من الزواج لأجل الجمال أو المال، دون مراعاة الدين، فقد رغب في الزواج من المرأة الصالحة المتدينة الجميلة الأمينة ورسم الصورة المشرفة للزوجة المثالية في المجتمع الإسلامي، فقال صلى الله عليه وسلم: “خير النساء من إذا نظرت إليها سرتك، وإذا أمرتها أطاعتك، وإذا أقسمت عليها أبرتك، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك”.
وإذ تحقق مطلب الدين في المرأة كما يقول الدكتور أحمد عمر هاشم أستاذ السنّة النبوية بجامعة الأزهر فلا مانع أن يجتمع معه المال أو غيره من الجمال والحسب، أما مراعاة المال وحده دون الدين فهذا ما نهى عنه الإسلام، وحذرت منه الأحاديث السابقة، وكذلك الحال بالنسبة للحسب أو الجمال.
فلا ينبغي أن يكون المال وجهة المسلم التي يقصدها من وراء الزواج، ويجب على المسلم أن يسمو بالزواج وحكمته بعيدا عن المادة، وأما طلب الزيادة فداخل في قوله تعالى: “ولا تمنن تستكثر” أي تعطي لتطلب أكثر، وتحت قوله تعالى: “وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس”، فإن الربا هو الزيادة، وهذا طلب زيادة على الجملة، وإن لم يكن في الأموال الربوية، فكل ذلك مكروه وبدعة في النكاح، يشبه التجارة والقمار ويفسد مقاصد النكاح.
الحسب والجمال
وتنكح المرأة كذلك لحسبها، ويطلق الحسب في الأصل على الشرف بالآباء وبالأقارب، فهو مأخوذ من الحساب، لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا ما لهم من مناقب ومآثر وما لآبائهم وأجدادهم وقومهم وحسبوا ذلك كله، ويكون الحكم لمن زاد على غيره، وقيل إن المراد بالحسب في الحديث هو الفعال الحسنة.
وقيل: المال وهو مردود، لذكر المال قبل ذلك، ولأنه عطف عليه الحسب والعطف يقتضي المغايرة، وروي من حديث بريدة: “إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال”، وهذا على معنى أن المال حسب من ليس له حسب، ومن ذلك أيضا حديث سمرة: “الحسب المال، الكرم، التقوى”، وقد تمسك بهذا الحديث من اعتبر الكفاءة بالمال، وهناك احتمال آخر هو أن من شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا.
وقال أحد العلماء: الحسب العقل الجميل للرجل وآبائه، واشترط الإمام الغزالي الزوجة نسيبة أعني أن تكون من أهل بيت الدين والصلاح، فإنها ستربي بناتها وبنيها، فإذا لم تكن مؤدبة لم تحسن التأديب والتربية.
وتنكح المرأة كذلك “لجمالها” ولكن إذا تعارض الجمال مع الدين فلا خير فيه، ويتبع جمال المنظر جمال الخلق، هذا وفي الجمال عفة الزوج عن أن يمد عينيه إلى ما حرم الله، وانشراح لصدره وسرور في حياته، فخير النساء من إذا نظرت إليها سرتك.
ولئن قدمنا في أول المطالب أن الإسلام يحث على الزواج من ذات الدين، وألا يكون الجمال مقصود المتزوج فحسب، إنما هو تصوير للزواج المثالي في الإسلام، وتطهير له مما يتعلق به من رغبات الجمال فقط مع عدم الدين، فهذا ما نهى عنه الإسلام وحذر منه، أما الجمال مع الدين فهو المطلوب.
واقتصر الحديث على ذكر هذه الأمور الأربعة دون غيرها، كأن تكون الزوجة بكرا أو ولودا أو ذكية، لأن هذه الأمور التي ذكرت هي التي اعتاد كثير من الناس اعتبارها في الزواج، وطمعوا في تحقيقها وتقديمها على غيرها، كما جرت عادتهم بقصد هذه الخصال الأربع وتأخير الدين، فبين لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يظفروا به في قوله: “فاظفر بذات الدين تربت يداك”.
وقيل: معناه ضعف عقلك، وقيل افتقرت من العلم، وقيل فيه شرط، أي وقع لك ذلك إن لم تفعل، فالفاء واقعة في جواب شرط مقدر، أي إذا تبين ذلك فاظفر بذات الدين تربت يداك، أي افتقرت إن لم تنشد ذات الدين.
تسلمين
لاعدمناك