قال الله تعالى : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " هذه رخصة من الله تعالى للمسلمين ، ورفع لما كان عليه الأمر في ابتداء الإسلام ، فإنه كان إذا أفطر أحدهم ، إنما يحل له الأكل والشرب والجماع إلى صلاة العشاء أو ينام قبل ذلك ، فمتى نام أو صلى العشاء ، حرم عليه الطعام والشراب والجماع إلى الليلة القابلة ، فوجدوا من ذلك مشقة كبيرة ، فنزلت هذه الآية ، ففرحوا بها فرحا شديدا ، حيث أباح الله الأكل والشرب والجماع في أي الليل شاء الصائم ، إلى أن يتبين ضياء الصباح من سواد الليل .
فتبين من الآية الكريمة تحديد الصوم اليومي بداية ونهاية ، فبدايته من طلوع الفجر الثاني ، ونهايته إلى غروب الشمس .
وفي إباحته تعالى الأكل والشرب إلى طلوع الفجر دليل على استحباب السحور .
وفي " الصحيحين " عن أنس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تسحروا ، فإن السحور بركة .
وقد ورد في الترغيب بالسحور آثار كثيرة ، ولو بجرعة ماء ، ويستحب تأخيره إلى وقت انفجار الفجر .
ولو استيقظ الإنسان وعليه جنابة أو طهرت الحائض قبل طلوع الفجر ، فإنهم يبدءون بالسحور ، ويصومون ، ويؤخرون الاغتسال إلى بعد طلوع الفجر .
وبعض الناس يبكرون بالتسحر ؛ لأنهم يسهرون معظم الليل ثم يتسحرون وينامون قبل الفجر بساعات ، وهؤلاء قد ارتكبوا عدة أخطاء :
أولا : لأنهم صاموا قبل وقت الصيام .
ثانيا : يتركون صلاة الفجر مع الجماعة ، فيعصون الله بترك ما أوجب الله عليهم من صلاة الجماعة .
ثالثا : ربما يؤخرون صلاة الفجر عن وقتها ، فلا يصلونها إلا بعد طلوع الشمس ، وهذا أشد جرما وأعظم إثما ، قال الله تعالى : فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ
ولا بد أن ينوي الصيام الواجب من الليل ، فلو نوى الصيام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر ، فإنه يمسك ، وصيامه صحيح تام إن شاء الله .
ويستحب تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس بمشاهدتها أو غلب على ظنه بخبر ثقة بأذان أو غيره : فعن سهل بن سعد رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر متفق عليه ، وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا .
والسنة أن يفطر على رطب ، فإن لم يجد ، فعلى تمر ، فإن لم يجد ، فعلى ماء ، لقول أنس رضي الله عنه : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات ، فإن لم تكن رطبات ، فتمرات ، فإن لم تكن تمرات ، حسا حسوات من ماء … ، رواه أحمد وأبو داود والترمذي ، فإن لم يجد رطبا ولا تمرا ولا ماء أفطر على ما تيسر من طعام وشراب .
وهنا أمر يجب التنبيه عليه ، وهو أن بعض الناس قد يجلس على مائدة إفطاره ويتعشى ويترك صلاة المغرب مع الجماعة في المسجد ، فيرتكب بذلك خطأ عظيما ، وهو التأخر عن الجماعة في المسجد ، ويفوت على نفسه ثوابا عظيما ، ويعرضها للعقوبة ، والمشروع للصائم أن يفطر أولا ، ثم يذهب للصلاة ، ثم يتعشى بعد ذلك .
ويستحب أن يدعو عند إفطاره بما أحب ، قال صلى الله عليه وسلم : إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد ومن الدعاء الوارد أن يقول : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت وكان صلى الله عليه وسلم إذا أفطر يقول : ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله .
وهكذا ينبغي للمسلم أن يتعلم أحكام الصيام والإفطار وقتا وصفة حتى يؤدي صيامه على الوجه المشروع الموافق لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحتى يكون صيامه صحيحا وعمله مقبولا عند الله ، فإن ذلك من أهم الأمور ، قال الله تعالى : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا