كيف وصف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تلك النعمةالغالية؟.. لقد روى الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضررمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد جاءكم شهر مبارك،افترض الله عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب الجنة، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغَلُّفيه الشياطين، فيه ليلةٌ خير من ألف شهر، من حُرِمَ خيرها فقدحُرِمَ".
إن لرمضان في ميزان الإسلام ثقلاً خاصًّا؛ فما هو بالشهرالعابر الذي يبدأ لينقضي.. بل هو ركنٌ أساسٌ من الأركان التي يرتفع فوقها بناءُالإسلام الشامخ.. روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،والحج، وصوم رمضان".
سيقوم ط±ظ…ط¶ط§ظ† بثلاثة أدوار عظيمة الأهمية في الأمة، وهي: التنقية.. والتميُّز.. والتربية!!.. إنه ينقِّي صفَّ المؤمنين من الشوائب.. ويميِّزُه عن غيره من الصفوف.. ثم هو أخيرًا يربِّي المؤمنين على أمور لا بد منهالكي تصلح أمتهم لقيادة العالمين.
رمضان وتنقية الأمةالإسلامية
يمثِّل ط±ظ…ط¶ط§ظ† اختبارًا مهمًّا، تتم فيه وبعده "تنقية" الصفالمسلم من الشوائب، ولا يكون الاختبار حقيقيًّا إلا إذا كان صعبًا، وكذلك اختباررمضان الذي ترجع صعوبته إلى عدة أمور منها:
[RIGHT]* أنه فَرض.. وطبيعة النفس الإنسانية أن تنفر من الفروضوالتكاليف..[/RIGHT]
*ومنها أنه شهر كامل متصل.. والأعذار فيه محدودة..
* ومنها أنه خروجٌ على المألوف.. بترك ما يعتاده الإنسان- بليحتاج إليه- من الطعام والشراب والشهوة، ولكن أصعب من كل ذلك أن تصوم صيامًاحقيقيًّا كما أراد الله عز وجل.. فليست المسألة تركًا للطعام والشراب والشهوة فقط.. ولكن الأمر أكبر من ذلك.. والاختبار أصعب من ذلك.. وهو أن يوجِّه ط±ظ…ط¶ط§ظ† حركةَ حياةِالإنسان كلها (قولاً وعملاً وفكرًا وشعورًا وجوارحَ..) نحو مرضاة رب العالمينواجتناب .ه.. وإلا فقد روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليسلله حاجة في أن يدع طعامه شرابه".
رمضان وتميُّز الأمةالإسلامية
يعتبر تخصيص شهر ط±ظ…ط¶ط§ظ† بالصيام تمييزًا للأمة الإسلامية التيأرادها الله في منزلة خاصة.. وسطًا شاهدةً على الناس.. ذلك أن الرسول- صلى اللهعليه وسلم- والمسلمين في عامهم الأول بعد الهجرة كانوا يصومون عاشوراء مع اليهود.. وكان ذلك اليوم فريضةعليهم.. كما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم فرأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: "ما هذا؟"قالوا: يومٌ صالحٌ، نجَّى الله فيه موسى وبنيإسرائيل من عدوِّهم فصامَه موسى، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: "أنا أحق بموسى منكم فصامه، وأمر بصيامه"، فلما فُرض صيام شهررمضان قال- صلى الله عليه وسلم- عن يوم عاشوراء: "من شاء صامه،ومن شاء تركه".. فأصبح صيامه نافلةً بعد ذلك.
رمضان وتربية الأمةالإسلامية
لم يكن من قبيل المصادفة أن يقترن شهر ط±ظ…ط¶ط§ظ† (من أول مرةصامه فيها المسلمون) بالجهاد في سبيل الله، ورفع راية الإسلام.. كما أنه ليس منالمصادفة كذلك أن يبدأ هذا الاقتران بيوم الفرقان يوم بدر الذي منَّ الله به علىالمؤمنين في ط±ظ…ط¶ط§ظ† (2هـ)، وهو أول شهر تصومه أمة الإسلام، وكأنَّ الله عزَّ وجَلَّيريد لهذه الأمة أن تفقه جيِّدًا دروس التربية الإيمانيَّة التي يربينا رمضانعليها.. ومن هذه الدروس: [/RIGHT]
ثانيًا: يتربَّى المسلمون في رمضانعلى كبت شهواتهم، أو قُل: على "التحكم" في الشهوات إلى أن تُصرف في المكان الصحيح.. استمع إلى الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بنالعاص- رضى الله عنهما- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة، يقول الصيام: أي رب،منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليلفشفِّعني فيه (أي قيام الليل) فيشفعان"..
ما قيمة التحكُّم في الشهوات في بناء الأمة المجاهدة وفيبناء الفرد الصالح للانتصار وللتمكين؟! أو لماذا يحتاج الفرد المجاهد أن يتدرَّبجيدًا في مدرسة الصيام؟! وما علاقة الجهاد بالصيام؟!
إن الجهاد مشقة كبيرة.. وستأتي على الأمة المجاهدة أوقاتٌ لاتجد فيها طعامًا ولا شرابًا ولا زوجةً، ومن كان معتادًا على الصيام فهو على الجهادأقدر من غيره.. كما أن المجاهدين سيفتحون بلادًا كثيرةً، وستقع السلطة في أيديهم،وسيباشرون أمور الناس.. وإن لم يكن المؤمن مؤهَّلاً تربويًّا للتحكُّم في شهوتهفسيقع في كثير من المحظورات.. فقد يعتدي على حرمات الغير من الأقوات أو الممتلكات.. لكنَّ المسلم المدرَّب في مدرسة الصيام على التحكم في شهوته يسيطر على هذه الأموركما كان يسيطر عليها وهو صائم باختياره.
ثالثًا: يربِّي رمضان المؤمنين علىالتحكُّم في الأعصاب، والقدرة على كظْم الغيظ.. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرةرضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قالالله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة.. (أي: وقاية وحماية)، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفثولا يصخب ولا يجهل، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم، إنيصائم".
رابعًا: رمضان يُرَبِّي على الإنفاقفي سبيل الله.. فقد روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كانرسول الله صلى الله عليه وسلم "أجود الناس، وكان أجود ما يكونفي رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسهالقرآن".
خامسًا: يربي رمضان المسلمين أيضًاعلى شعور عظيم وهو شعور الوحدة والأخوَّة والألفة، فكل المسلمين في شتى بقاع الأرضسيصومون في يوم واحد، ويفطرون في يوم واحد.. وسيصومون في وقت واحد وهو الفجر،ويفطرون في وقت واحد وهو المغرب.
سادسًا: سيتربَّى الصائم في رمضانأيضًا على الشعور بآلام الغير ومشاكل الآخرين.. ولا شكَّ أن المؤمن الذي يشعر بألمالجوع والعطش لفترة معينة في نهار رمضان سيُدرك أن هناك إخوانًا له في الدين فيالصومال وفي بنجلاديش وفي السودان وفي العراق وفي غيرها من البلاد يعانون نفس الألمولكن بصورة دائمة.. لا ينتظرون إفطارًا عند غروب الشمس!![/RIGHT
[RIGHT]ما أكثر الثمار التربويَّة التي يمنحنا إياها رب العالمينبصوم صادق لرمضان، غير أن التقوى تظل هي أجلَّ تلك الثمار، وهي التي علَّل اللهتعالى بها فرض الصيام على هذه الأمة؛ حيث قال سبحانه: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَىالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾(البقرة).[/RIGHT]
ربي يعطيك العافيه