وعن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(
من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ) متفق عليه [1] .وفي حديث آخر : ( والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ، والله لا يؤمن ) قيل : من يا رسول الله ؟ قال : ( الذي لا يؤمن جاره بوائقه ) رواه الشيخان [2] وقال عليه الصلاة والسلام : ( اللهم إني أعوذ بك من جار السوء في دار المقامة ، فإن جار البادية يتحول ) رواه البخاري و ابن حبان [3] .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رجل : يا رسول الله ، إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها ، وصدقتها ، وصيامها ، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال : ( هي في النار ) رواه أحمد و الحاكم [4] .
وروى الطبراني ، و البزار بإسناد حسن عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَا آمَنَ بي مَن بات شبعانا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم ) [5] .
من هو الجار ؟
الجار هو الذي يلاصق أو يقرب سكنه من سكنك ، وحدد العلماء دائرة الجيرة إلى مدى أربعين دارًا من كل جهة من أمام ، وخلف ويمين وشمال ، ومن كان هذه حاله فله من الحقوق وعليه من الواجبات ما يجعل الجوار نعمة وراحة .
والإسلام يقوم على جملة مرتكزات ترتقي بالفرد وتسمو بالمجتمع ، ومن أهم تلك المرتكزات : المبادئ الأخلاقية والقِيَم الفاضلة التي تجعل من الأمة أسرة مترابطة ، ولكي تسلم العلاقات الاجتماعية ينبغي أن تقوم على الأسس التي دعا إليها القرآن الكريم قال تعالى : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [ ( الحجرات : 13 ) وقال تعالى : ] وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً [ ( آل عمران : 103 ) .
وذكرت الآثار بأن المعتزل عن الناس مُفَارِقٌ للجماعة ، مُخَالِفٌ للسنة ، فالمرء قليل بنفسه كثير بإخوانه ، ولذا حرص الإسلام على عقد روح التعاون بين الجيران ومن مظاهر الإيمان الكامل أن يحب الإنسان لجاره ما يحب لنفسه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه ) رواه مسلم [7] .
وخير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه ، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره ، ومن سعادة المرء الجار الصالح .
وحقوق الجار كثيرة منها إلقاء السلام ورده ، لما في ذلك من ربط القلوب بعضها ببعض ، وهو عمل صالح رفيع ، وأبخل الناس مَن بخل بالسلام ، ومن الأمور الحسنة : السلام على أولاد الجيران ، وتدريبهم على آدب الشريعة .
ومن حق الجار على جاره أن يزوره إذا مرض ويسأل عن صحته ، ويَدْعُو له ويأمره بالصبر ، ويستحب تخفيف الزيارة ؛ لئلا يشق ذلك على المريض .
وإذا مات الجار فإن له حقًّا على جيرانه ، وهو : أن يتبعوا جنازته ، وأن ينظموا الأمر لإعداد الطعام لأهل الميت ؛ لأنهم مشغولون بميتهم .
ومن حق الجار على جاره أن يجيب دعوته إلى الوليمة إن دعاه ، زيادة للمودة وصلات الصفاء .
ومما يجدر بالمسلم أن يكون ستَّارًا لعيوب جاره ؛ وذلك ليستره الله في حياته الدنيا ويوم العرض الأكبر .
ومما يطالب به الجار نحو جاره ، أن يغض الطرف عن حرماته ، ولقد سمعنا الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد يقول :
أغشى فتاة الحي عند حليلها وإذا غزا في الجيش لا أغشاها
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها
فأين هذا مما يصنعه بعض الناس اليوم ؟
ومن حقوق الجار على جاره : عدم التطاول عليه بالبنيان ، وعدم إيذائه بالأصوات المرتفعة .
وأوصت السنة بالإحسان إلى الجار ، حتى لو كان غير مسلم ، ما دام فردًا يعيش في المجتمع الإسلامي ، فالإسلام يريد للمجتمع أن يشمله التكافل ويعمه التراحم ، عن مجاهد قال : كنت عند عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وغلام يسلخ له شاة ، فقال : يا غلام ، إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي ، حتى قال ذلك مرارًا ، فقال له : كم تقول هذا ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يوصينا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه ) رواه أبو داود و الترمذي [8] .
وأقرب الجيران بابًا أحقهم بالإحسان ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت: يا رسول الله ، إن لي جارين ، فإلى أيهما أهدي ؟ قال : ( إلى أقربهما منك بابًا ) رواه البخاري [9] .
أذية الجيران :
أما أذى الجيران فهو ذنبٌ كبيرٌ ، وشر مستطير ، يُخْرِج صاحبه من دائرة الإيمان الكامل ، ويُعَرِّضه لعذاب الله ونقمته ، فأذية الجار تحبط ثواب العمل الصالح وتنزع عن الإنسان رداء المروءة ، قال صلى الله عليه وسلم : ( أول خصمين يوم القيامة جاران ) رواه أحمد [10] .
أي : جاران لم يحسن أحدهما جوار صاحبه ، فينتقم الله للجار المظلوم .
ومن صور أذى الجيران :
أن يلتقي أحدهما بالآخر وهو عابس الوجه ، وربما لا يلقي عليه التحية ، أو لا يرد التحية التي يلقيها عليه جاره .
ومن صور أذى الجيران :
التعالي عليه ، وسوء الظن به ، أو اغتيابه ، والسخرية منه ، والنيل من كرامته .
هذا ولابد من خلال التعامل اليومي من صدور بعض الهفوات بين الجيران بسبب الأولاد ، فلا يجوز -والحالة هذه- أن يسارع الذي وقع الخطأ بحقه إلى الغضب ورد الإساءة بالإساءة ، وإنما عليه أن يعفو ويصفح ،
وكان محمد بن الجهم جارًا لسعيد بن العاص عاش سنوات ينعم بجواره فلما عرض محمد بن الجهم داره للبيع بخمسين ألف درهم ، وحضر الشهود ليشهدوا ، قال : بكم تشترون مني جوار سعيد بن العاص ؟ قالوا : إن الجوار لا يباع ، وما جئنا إلا لنشتري الدار . فقال : وكيف لا يباع جوار من إذا سألته أعطاك ، وإن سكتَّ عنه بادرك بالسؤال ، وإن أسأت إليه أحسن إليك ، وإن هجته عطف عليك ؟ فبلغ ذلك الكلام جاره سعيد بن العاص فبعث إليه بمائة ألف درهم وقال له : أمسك عليك دارك .
هذه هي الأخلاق الإسلامية التي ربى عليها الإسلام أبناءه ، فكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضًا ، يحمل غنيهم فقيرهم ، ويُعين قويهم ضعيفهم ، لا شحناء ولا أحقاد ، ربط الود بين مشاعرهم ، وجمع الإيمان بين أفئدتهم ، وما أجمل أن يأخذ المسلمون أنفسهم بهذه المبدأ الكريم .
وجزاك الله خير