تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » تابع بحر الدموع

تابع بحر الدموع

  • بواسطة
يا إخوان الغفلة تيقظوا، يا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا، فبالله أخبروني‏:‏ من أسوأ حالا ممن استعبده هواه، أم من أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه، فما للغفلة قد شملت قلوبكم‏؟‏ وما للجهالة قد ترت عنكم عيوبكم‏؟‏ أما ترون صوارم الموت بينكم لامعة، وقوارعه بكم واقعة، وطلائعه عليكم طالعة، وفجائعه لعذركم قاطعة، وسهامه فيكم نافذة، وأحكامة بنواصيكم آخذة‏؟‏ فحتى م‏؟‏ والى م‏؟‏ وعلام التخلف والمقام‏؟‏ أتطمعون في بقاء الأبد‏؟‏ كلا والواحد والصمد‏.‏ إن الموت لبالرّصد، ولا يبقي على والد ولا ولد، فجدّوا، رحمكم الله، في خدمة مولاكم، وأقلعوا عن الذنوب، فلعله يتولاكم‏.‏

يروى عن محمد بن قدامة، قال‏:‏ لقي بشر بن الحارث رجلًا سكران، فجعل السكران يقبله، ويقول‏:‏ يا سيدي أبا نصر، ولا يدفعه بشر عن نفسه، فلما تولى تغرغرت عينا بشر بالدموع، وقال‏:‏ رجل أحبّ رجلًا على خير توهّمه فيه، ولعل المحبّ قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله‏.‏

فوقف على أصحاب الفاكهة، فجعل ينظر، فقلت‏:‏ يا أبا نصر، لعلك تشتهي من هذا شيئًا‏؟‏ قال‏:‏ لا ولكن نظرت في هذا؛ إذا كان يطعم هذا لمن يعصيه، فكيف من يطيعه ماذا يطعمه في الجنة ويسقيه‏؟‏‏!‏‏.‏‏.‏

إخواني‏:‏ ما للغافل إلى كم ينام‏؟‏ أما توقظ الليالي والأيام‏؟‏ أين سكان القصور والخيام‏؟‏ دار والله عليهم كأس الحمام، فالتقطهم الموت كما يلتقط الحبّ الحمام‏.‏ ما لمخلوق فيها دوام، طويت الصحف وجفت الأقلام‏.‏

وأنشدوا‏:‏

دعوني على نفسي أنوح وأندب *** بدمع غزير واكف يتصبب

دعوني على نفسي أنوح لأنني *** أخاف على نفسي الضعيفة تعطب

فمن لي إذا نادى المنادي بمن عصا *** إلى أين ألجأ أم إلى أين أذهب

فيا طول حزني ثم يا طول حسرتي *** إذا كنت في نار الجحيم أعذب

وقد ظهرت تلك القبائح كلها *** وقد قرّب الميزان والنار تلهب

ولكنني أرجو الاله لعله *** يحسن رجائي فيه لي يتوهب

ويدخلني دار الجنان بفضله *** فلا عمل أرجو به أتقرّب

سوى حب طه الهاشمي محمد *** وأصحابه والآل من قد ترهبوا

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يؤتى برجل يوم القيامة قد جمع المال من حلال وأنفقه في الحلال، فيقال له‏:‏ قف للحساب، فيحاسب على كل حبة وذرة ودانق‏:‏ من أين أخذه وفيما أنفقه‏)‏ ثم قال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا ابن آدم، ما تصنع بالدنيا‏؟‏ حلالها حساب، وحرامها عقاب‏)‏‏.‏

وأنشدوا‏:‏

فلا تأمن لذي الدنيا صلاحًا *** فإن صلاحها عين الفساد

ولا تفرح لمال تقتنيه *** فإنك فيه معكوس المراد

قال بعض العارفين رضي الله عنه‏:‏ إن أبا يزيد البسطامي بكى عند موته، ثم ضحك، ثم فارق الدنيا، فرؤي في المنام بعد موته، فقيل له‏:‏ لم بكيت قبل الموت ثم ضحكت‏؟‏ فقال‏:‏ لما كنت في النزع، أتاني إبليس لعنة الله عليه، وقال لي‏:‏ يا أبا يزيد، أفلتّ من شبكتي، فبكيت حينئذ إلى الله تعالى، فنزل عليّ ملك من السماء، وقال لي‏:‏ يا أبا يزيد، يقول لك رب العزة‏:‏ لا تخف ولا تحزن، وأبشر بالجنة، فضحكت عند ذلك، وفارقت الدنيا‏.‏

وأنشدوا‏:‏

وقفت وأجفاني تفيض دموعها *** وقلبي من خوف القطيعة هائم

وكل مسيء أوبقته ذنوبه *** ذليل حزين مطرق الطرف نادم

فيا رب ذنبي تعاظم قدره *** وأنت بما أشكو يا رب عالم

وأنت رؤوف بالعباد مهيمن *** حليم كريم واسع العفو راحم

يا أخي كم من يوم قطعته بالتسويف‏؟‏ وكم من سبب أضعت فيه التكليف، وكم أذن سمّاعة لا يزجرها التخويف‏؟‏‏.‏

ولما حضرت جابر بن زيد الوفاة قيل‏:‏ ما تشتهي‏؟‏ قال‏:‏ نظرة في وجه الحسن فبلغ ذلك الحسن، فجاء ودخل عليه، وقال له‏:‏ يا جابر كيف تجدك‏؟‏ قال‏:‏ أجد أمر الله غير مردود‏.‏ يا أبا سعيد، حدثني حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الحسن‏:‏ يا جابر قال رسول الله صلى لله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المؤمن من الله على سبيل خير، إن تاب قبله، وإن استقال أقاله، وإن اعتذر إليه قبل اعتذاره، وعلامة قبول ذلك خروج روحه‏,‏ يجد بردًا على قلبه‏)‏‏.‏ فقال جابر‏:‏ الله أكبر‏!‏ إني لأجد بردًا على قلبي‏.‏ ثم قال‏:‏ اللهم إن نفسي تطمع في ثوابك، فحقق ظني، وآمن خوفي وجزعي، ثم تشهّد ومات رضي الله عنه‏.‏

وكان سبب توبة داود الطائي أنه دخل المقبرة، فسمع امرأة عند قبر تبكي وتقول‏:‏

تزيد بلى في كل يوم وليلة *** وتسأل لما تبلى وأنت حبيب

مقيم إلى أن يبعث الله خلقه *** لقاؤك لا يرجى وأنت قريب

[img]خليجية[/img]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.