تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الليلة الآولى في القبر الجزء الثالث

الليلة الآولى في القبر الجزء الثالث

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أتيت القبور فناديتها أين المعظم والمحتقر؟

أتيت القبور، قبور الرؤساء والمرؤوسين، قبور الملوك والمملوكين، قبور الأغنياء والفقراء، فناديتها أين المعظم والمحتقر؟

تفانوا جميعاً فما مخبــــــــر وماتــــوا جميعاً ومات الخبر

فيا سائلي عن أناس مضوا أما لـك في ما مضى معتبر

تــــــــــروح وتغدو بنات الثرى فتمحو محاسن تلك الصور

أريت قبراً مُيّز عن قبر؟ أأنزل الملك في قبر من ذهب أو فضه؟ والله لقد ترك ملكه وقصوره وجيشه وكل ما يملك، ولبس قطعة من القماش كما نلبس، وانزل التراب.

ولدتك أمك يا ابن آدم بــــــــــاكياً والناس حولك يضحكون سروراً

فأعمل لنفسك أن تكون إذا بكوا في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

لكن كثيراً من الناس علموا بالقبر، وأولليلة فيالقبر فأحسنوا العمل، ولذلك متهيئون دائماً، يريدون الله والدار الآخرة، ثبتهم الله في الليل والنهار، يترقبون الموت كل طرفة عين.

خرج رجل من الصالحين، وشيخ من المشائخ أعرفه من مدينة الرياض، خرج بزوجته وكانت صائمة قائمة، وليّة من أولياء الله، خرج يريد العمرة، والغريب في تلك السفرة أنها ودعت أطفالها، وكتبت وصيتها، وقبلت أطفالها وهي تبكي، كأنها ألقي في خلدها أنها سوف تموت {ثم ردّوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين}.

ذهب واعتمر بزوجته وهو وإياها في بيت أسس على التقوى، إيمان وقرآن، وذكر وصيام، وقيام وعبادة، لا يعرفون الغيبة، ولا الفاحشة، ولا المعاصي، عاد معها، فلما كان في الطريق إلى الرياض، أتى الأجل المحتوم إلى زوجته {وعد الله لا يخلف الله وعده ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون}.

ذهب إطار السيارة فانقلبت، ووقعت المرأة على رأسها، لكنها إن شاء الله شهيدة {أولئك الذين نتقبّل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنّة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون}، خرج زوجها من الباب الآخر، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله، الله، الله، الله.

وتقول لزوجها: عفا الله عنك، اللقاء في الجنة، بلغ أهلي السلام.

{والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين} إي والله.

أسأل الله أن يجمع تلك الأسرة في الجنة، وأن يجمعنا وأحبابنا وأقاربنا في الجنة.

بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنـــــــا شوقاً إليكــــــــم ولا جفت مآقينا

تكاد حين تناجيكم ضمـــــــائرنــا يقضي علينا الأسى لولا تأسينا

إن كان عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشـــــر نلقاكم ويكفينا

عاد الرجل إلى الرياض ودفن زوجته، دخل بيته وحده بلا زوجة، دخل بيته واستقبله الأطفال، حياة سهلة وبسيطة، ولكن الموقف المرعب أن واحدة من الطفلات، قامت تقول: أين أمي؟

قال: سوف تأتي.

قالت: لا والله لا بد أن أرى أمي.

وانهار الرجل، ونقول لتلك الطفلة سوف ترينها – بإذن الله – في جنة عرضها السماوات والأرض، يعمل لها العاملون، ليست كدنيانا الحقيرة، السخيفة التي يعمل لها الذين لا يريدون الله والدار الآخرة {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين}.

فاعمل لدار غداً رضوان خـازنها الجار أحمـــــد والرحمن بانيها

قصورها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها

يا أخوتي في الله:

يا شيخاً كبيراً احدودب ظهره، ودنى أجله، هل أعددت لأول ليلة؟

يا شاباً مصطحاً متنعماً غره الشباب والمال والفراغ هل أعددت لأول ليلة؟

إنها أول الليالي: وإنها إما أولليلة من ليالي الجنة، أو أولليلة من ليالي النار.

عباد الله:

صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، وصلوا على أصحابه، وترضوا على أحبابه، أسأل الله لي ولكم الرضوان، والسعادة في الدنيا والآخرة، أسال الله أن يصلح ولاة الأمر، وأن يهديهم سواء السبيل، أسأل الله أن يصلح شباب الإسلام، وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور، وأن يكفر عنهم سيئاتهم، وأن يهيئهم بعمل صالحاً لأولليلة من ليالي القبر، أسأل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت، ولا يظلم أبصارنا وبصائرنا، ولا يجعلنا قوماً انحرفوا عن منهج الله واشتروا معاصي الله، وغفلوا عن آيات الله، فعموا وصموا وضلوا و ابتعدوا.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.