فِي لَحْظَةِ التَّودِيعْ
كأنَّما في لحظةِ التَّوديعِ * ضاءَتْ له الذِّكرى كما الشُّموعِ
لا يَنْهَرُ الناسَ مَهيبٌ يا لَها * مِن هيبةٍ تُمزجُ بالخضوعِ
يمشي وإنْ حَيَّاهُ داعٍ رَدَّها * تحيةً تُرْضِي هوَى السَّميعِ
وكلُّ يومٍ ينتهي يَؤُودُه * وعُمرهُ مازالَ في الرَّبيعِ
مُستذكرًا كيفَ رَعَى أغْنَامَهُ * مُسْتمتعًا بنغمةِ القطيعِ
مُسْتوقفًا دابَّتهُ كيْمَا يَرَى * ومُعْجَبًا بالإبلِ الشُّروعِ
بَدا لهُ كأنَّما الماضي أتَى * من سالفِ الأزْمِنَةِ الهجوعِ
كأنَّما جِنانُ عدنٍ أُخْرِجَتْ * وعصرُ حُبٍّ رائعُ الرُّجوعِ
هامتُه كانتْ هناكَ في العُلى * وخَدُّهُ كالشَّمسِ في الطُّلوعِ
*****
لوأنَّ ناسًا جالسوهُ قاضيًا * رأيتَهُ يُصْغي إلى الجميعِ
يُنْكرُ هذا ضاحِكًا على الذي * أثْبَتَهُ البادئُ بالموضوعِ
وحينمَا يَعِي الكلامَ هادئًا * يَشْرَعُ في حديثهِ المطبوعِ
*****
دومًا تراهُ ذاكرًا وإنهُ * لَيَحْلُبُ الأغنامَ في النُّجوعِ
ويكتفِي من الغذاءِ بالذي * يجعَلُه يَقْوَى على الرُّجوعِ
وربَّما حجارةٌ يحزِمُها * ببطنهِ من وَخَزَاتِ الجوعِ
على الثَّرى يجلسُ والثيابُ قدْ * يَخِيطُها بخُلْقِهِ الرَّفيعِ
وفوقَ صومِ النَّاسِ كان صومُه * وَهْوَ لَيس ناهِضَ الضُّلوعِ
ثلاثةٌ من بعد سِتِّينَ انْقضَتْ * جاءَتْهُ حُمَّى الموتِ والتَّوديعِ
يُكرِّرُ القرآنَ مثلما انْتَهى * إليه مَحْفوظًا من اليُنْبُوعِ
*****
يُسَلِّمُ اللواءَ للَّذي يَلِي * ناجاهُ: "خَفَّتْ آخرُ الشُّموعِ"
ارْفَعْ شِعارَ الله: لا شريكَ لهْ * وجَاهِدَنْ منْ دُونمَا خُضوعِ
وفوقَ جفنهِ الظِّلالُ شابَهَا * تَعْبُ عُقَابٍ في ثَرَى الصَّقيعِ
*****
واضْطَرَّ هذا الطيرُ هِجْرَانَ الهَوَا * وكانَ رَبَّ الجَوِّ في الرُّبوعِ
أتى إلى المسجدِ في مِيقاتِهِ * يُسْنِدُهُ عَلِيُّ في الجُموعِ
والنَّاسُ يَتْبَعُونَ آثارَ الخُطى * والرَّايةُ الغَرَّاءُ في سُطوعِ
*****
وهاهُنا -والوجْهُ منهُ شاحِبٌ * -مُلْتَفِتًا- يَنْصَحُ للجميعِ
: يا أيُّها النَّاسُ النَّهارُ يَنْطَفِي * ونحنُ نَنْسَاقُ إلى الصُّدوعِ
نحنُ الغبارُ والغُبارُ يَنْجَلي * نحنُ الدُّجى الفانِي معَ الطُّلوعِ
اللهُ وحدَه الكبيرُ مُسْتَوٍ * -جَلَّ- على كُرْسِيِّهِ الرَّفيعِ
هذا أنا الأمِيُّ من دونهِ، بلْ * دونَ ضِيَا في كَوْنِيَ الوَسِيعِ
وإنَّني من دونهِ لا وَزْنَ لي * كمَنْ يعيشُ في الثَّرى الوَضِيعِ
*****
ناداهُ شيخٌ: يا إمامَ النَّاسِ، بلْ * يا قائدًا للأمَّةِ الرُّكوعِ
النَّاسُ حينَ اسْتَمَعُوا واسْتَأْنَسُوا * ثَابُوا إلى الإيمانِ بالدُّموعِ
وإنَّ في مِيلادِكَ الأسْنَى بَدا * نجمٌ أضَا بنُورهِ البديعِ
وانْتَثَرَتْ من قصرِ كِسرَى شُرَفٌ * كالباطلِ المُؤْذِنِ بالوقوعِ
وعادَ يَسْتَأْنِفُ: أَمْلاكُ السَّما * بعضٌ دَنا والبعضُ في طُلوعِ
ذي سَاعتي حَلَّتْ فأَصْغُوا: كلُّ مَنْ * أهَنْتُهُ أو ساءَهُ تَقْرِيعِي
أو رُبَّما ضَرَبْتُه، فها أنَا * يَقْتَصُّ من نفسي على صَنِيعِي
هذي عَجُوزٌ قُرْبَهُ نادتْ: لقدْ * سَعى لكَ الغوثُ منَ السَّميعِ
*****
ومِثْلما الرَّائي رُؤَى حُزْنٍ سَهَا * وفجْأَةً يَحْتارُ كالمَفْزُوعِ:
وهكذا أنتمْ جميعًا، وأنَا * لفظُ الإلهِ الواضحِ المَسْموعِ
أنا رَمَادٌ مثلَ جسمٍ، وأنا * نارٌ كما النَّبِيِّ، نارُ رُوعِي
أنا تَمَامُ نَهْجِ عيسى، إنَّني * قُوَّةُ ذاكَ اللِّينِ في اليَسُوعِ
لو أنَّ عيسى جاءَ قبْلِي بالهُدى * فالفَجْرُ عُنوانٌ على الطُّلوعِ
ومَريمُ العَذراءُ مَنْ جاءَتْ بهِ * تَحْلُمُ بالرَّيْحانِ والرَّبيعِ
أُوصِي -وإنَّني الضَّعيفُ مثلما * لَيْمونةٍ حَالَتْ عنِ النُّصُوعِ
ورغمَ هذا الضُّعْفِ سِرْتُ لا أرَى * ذاكَ المَصيرَ الخَبْءَ كالمَزْرُوعِ
جِسمي وَهَى، لكِنَّني أَرْنُوا إلى * درْبي بلا وَحْلٍ هنا فظِيعِ
*****
قلتُ لهم: سيخرجُ الدُّودُ منَ الـ * ـذُّنوبِ حينَ هَجْعةِ الهُجوعِ
الهالكونَ سوفَ يَحْيَوْنَ على * قبرِ تُرابِ البَرْدِ والصَّقِيعِ
يأكُلُكَ الدُّودُ فتَحْيَا..هكذا * حتَّى اكْتِمَالِ دَيْنِكَ المَضِيعِ
*****
ومَدَّ قائدُ الهُدى جناحَهُ * في هادِئ الأجْوَاءِ في الرُّبوعِ
قالَ: أنا الحَقلُ القَلِيلُ قِيمَةًً * وثابِتٌ في موقفِ التَّرْوِيعِ
حينًا أكونُ ماشِيًا، وأرْتَقِي * حينًا إلى سَمَائِيَ الرَّفيعِ
أَمْزِجُ لِيني بالعُبوسِ مِثْلمَا * الصَّحْرَا بها ماءٌ ورملُ جُوعِ
أمْضي وهلْ يا فِتيةَ الإيمانِ مِنْ * شيءٍ يُرَى عنِ الرَّدَى مَنِيعِ؟
أمامَ جندِ النَّارِ فالْتَثَبَّتُوا * عندَ الصِّراطِ رَهْبَةَ الوقوعِ
أحِسُّ من رجلي الأصابعَ الْتَوَتْ * حِذَارَ ما أخشاهُ من ترويعِ
أنا كيعقوبٍ شَهَرْتُ في الدُّجى * ضَوْئي على أشْبَاحِهِ الرُّتوعِ
يا للجراحِ في الفُؤادِ جَمَّةً * من حاسدٍ جَاءَتْنِي أو خَدِيعِ
حارَبْتُهمْ بالصَّبرِ دونَ ثورةٍ * وإنَّني على الهُدى المَشْروعِ
وفي خِضَمِّ الحربِ قلتُ: أُتْرُكوا * عنكمْ، دَعُوني دونَما دُروعِ
فلْيَضْرِبوني مثلمَا شاءُوا على * هذا الطَّريقِ الضَّيِّقِ المَقْطوعِ
ولْيَجْعَلوا الشَّمْسَ على شِمَالِهمْ * والبَدْرَ أيضًا لستُ بالجَزُوعِ
وها أنا من بعدِ أرْبَعينَ مِنْ * مَسِيرتِي لا بُدَّ من رُجوعِي
أمامِيَ اللهُ، ومن خَلْفِي الدُّنَى * تَرَكْتُها رَيَّانَةَ الزُّرُوعِ
وأنتمُ، يا مَنْ تَبِعْتُمْ أثَرِي * في بَهْجَةِ الدُّنْيَا، وفي الدُّموعِ
مثلَ اليهودِ في اتِّباعِ لِيفِي كالـ * ـإِغْرِيقِ خلفَ إِغْمِي في قُنُوعِ
لا بُدَّ يأتي الفجرُ كيْ يَمْحُو الأَسى * إنْ هِيَ إلا فترةُ الهَزِيعِ
واسْتَيْقِنوا بِمَنْ هَدَى الأسودَ في * فِجَاجِ ذاكَ الجبلِ المَنِيعِ
هَدى النُّجومَ في غَيَاباتِ السَّما * والدُّرَّ في البحرِ بِلاَ تَضْيِيعِ
فإنَّهُ أعْطَى السُّرورَ-رُبَّما- * للعبدِ في سَرَابهِ اللَّمُوعِ
*****
فآمِنوا أحْيُوا اللَّيَالِي وَاجْهَدُوا * والْتَرْكَعُوا فيها معَ الرُّكوعِ
ومَنْ تَعادَلتْ لهُ أعمالُهُ * يَبْقى عَلى الأعْرَافِ في وُلُوعِ
هُم في جوارِ الطُّهْرِ غُبْرٌ بَينما * في قُرْبِ هذا الجُرْمِ في سُطُوعِ
ولا أرى صَافٍ مِنَ الأخْطَا، فهلْ * من سَجْدَةٍ تُنْجِيكَ بالخُشوعِ؟
ولاَمِسُوا التُّرابَ إنَّ لامِسَ التُّـ * ــرابِ يَسْمُوا عن لَظَى التَّرْويعِ
وقَبِّلُوا أرضَ القَتَامِ تَنْجَلِي * سَماؤُكُم بلونِها البَديعِ
جُودوا اسْتَقِيموا واطْهُروا فإنَّما * الجنَّاتُ للتَّائِبِ والمُطِيعِ
بها ثمارٌ صافياتٌ أثْقَلَتْ * أشْجارَهَا العَظِيمَةَ الفُرُوعِ
هذي الجيادُ المُذْهَبَاتُ حَلَّقَتْ * إلى السَّما سَرِيعَةَ الطُّلوعِ
و( 2024 )( 2024 )( 2024 )( 2024 )( 2024 )ُ في أكْنَانِهَا سَاكِنَةٌ * في جوفِ دُرٍّ باهِرِ التَّرْصِيعِ
*****
والنَّارُ حَظُّ الفاشلينَ منكمُ * هذا جزاءُ الفَرْطِ والتَّضْيِيعِ
تُهْدَى لهم أحذيةٌ منْ لَهَبٍ * تُغْلِي الرُّؤوسَ بالأذَى الوَجِيعِ
*****
وعادَ يَذْكرُ الجِنانَ فاتحًا * آفاقَهُمْ في الأمَلِِ الطَّليعِي
وسارَ بالخُطَى وئيدًا قائلاً * لقد دَنَتْ مَواكبُ التَّشْيِيعِ
الموتُ عندَ البابِ، أينَ أخْتَفِي؟ * ليسَ الرَّدَى بالوافدِ المَدْفُوعِ
تعَجَّلُوا وبَلِّغُوا عنِّي الذِي * يَعْرِفُنِي..وَاجْهَدُوا في التَّسْميعِ
ومَنْ أخذتُ منه شيئًا ها أنَا * يَقْتصُّ قبلَ ساعةِ التَّوديعِ
وبينمَا يَسيرُ في هُدوئهِ * تَرَاجَعُوا للخَلْفِ للتَّوْسِيعِ
يغسلُ مِنْ لِحْيَتِهِ إذا انْتَهَى * للبِئْرِ من رَقْرَاقِها النَّقِيعِ
وقال: خيرٌ أنْ تَرُدُّوا دَيْنَكُمْ * قبلَ مَشِيبِ لِمَّةِ الرَّضِيعِ
وأعْيُنُ الناسِ-مِنِ اشْفَاقٍ- تُرَى * كأعْيُنِ الحَمَائِمِ السُّجوعِ
ورُبَّما من حُزْنهمْ تَطَلَّعوا * إلى المُؤَيَّدِ النَّبِي الشَّفيعِ
كثيرُنَا بَقَوْا على الأرضِ إلى * فجْرٍ جديدٍ دونَما هُجوعِ
وفي الصَّباحِ نادى يا صِدِّيقُ قُمْ * صَلِّ بهم فقد وَهَتْ ضلوعِي
وبينمَا عائشةٌ منْ خَلْفِهِمْ * كان أبو بكرٍ مع الرُّكوعِ
وفي تمامِ كلِّ سورةٍ بَدَتْ * نَبْرَتُهُ تَضْعُفُ في خشوعِ
والناسُ في أحزانهمْ قد أَجْهَشوا * منَ البُكاءِ المُرِّ بالدُّموعِ
وقامَ عندَ البابِ مَلْكُ المَوتِ في * المساءِ يَرْنو للهدى المَتْبوعِ
وحينها أَضَا النَّبِيُّ مثلما * أضاءَ يومَ المولدِ البديعِ
قال له: اللهُ العظيمُ طالِبٌ * لُقْيَاكَ عند عرشهِ المَرْفوعِ
قال: نَعَمْ. ورعْشَةٌ طافَتْ بهِ * في جسمهِ المُتْعَبِ والضُّلوعِ
وعندمَا أرْسَلَ نَفْسًا كان قد * ماتَ النَّبِيُّ رحمةُ الجميعِ
ارجوا ان تنال اعجابكم ولا تبخلوا علينا بالرد لتشجيعنا على المزيد وشكرا