الإنسان فى هذه الحياة لايستطيع أن يعيش وحيدا ًبمفرده ، بل لابد له من الإلتقاء بهذا والجلوس إلى ذاك ، والمعاملة لذلك ، وكُلما أحسن الإنسان اختيارَه الذين يجلس إليهم ، ويتأثر بهم ، ويتعامل معهم ، كان ذلك عونا ًعلى إستقامته فى حياته ، وبلوغه كريم غاياته .
ولقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المؤمن مِرْآة أخيه ، وأن الإنسان يُوزَن بميزان من يصادقه ويرافقه ، وقال لذلك : " المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل " ، أى أن الإنسان يتأثر – بوعى أو بغير وعى – بمخالطة رفيقه وصديقه ، ولذلك ينبغى له أن يُحْسن النظر فيمن يختاره للصداقة والخُلة ، فالمراد بالنظر هنا التدقيق فى إختيار الأصدقاء والرفقاء والجلساء ؛ لأن الإنسان يُوزن بميزان مَن ْيُخالطه قال أحد الصالحين
إذا كنت فى قوم فصاحب خِيارَهم ولا تصحب الأردا فترْدى مع الرَّديِ
عن المرء لاتسل ، وسل عن قرينه فكل قرين بالمُقارن يَقتدِى
ومن مأثور كلام الحُكماء قول بعضهم : لاتصحب إلا أحد رجلين : رجل تتعلم مِنه شيئا ًفى أمر دينك فينفعك ، أو رجل تعَلِّمه شيئا فى أمر دينه فيقبل منك ، والثالث فاهرب منه . وهذا القول المأثور يُلفِتنا إلى جُمْلِة الواجبات التى تلزم الإنسان حين يتطلع إلى مُجالسة الناس ؛ فالواجب الأول أن يبحث عن جليس عالم بالدين ، مُرْشد إلى طريق الحق ؛ لينال من علمه وهَدْيه ما ينتفع به فى الدين وإذا كان الإنسان مُتعلما متفقها ً، فالواجب عليه أن يُؤدى زكاة عِلمِه وفقهه ، فإذا جلس إلى من هم أقل منه علما ًأو فِقها ً، كان عليه أن يُعلمهم مما علمه الله ، وأن يُفقههم فى الدين كما يسَّرَالله له من قبل فقهه وأرشده ، وإذا لم يجد الإنسان من يتعلم منه ، وأن يُعِلمه ويقبل عِلمه ؛ فالوحدة خيرٌمن جَليس السُّوء .
ولهذا فإنه ينبغى للإنسان أن يُفضِّل فى المجالسة والمصاحبة مَنْ تكون له خمس خِصال ، هى أن يكون عاقلا ً، حَسَن الخُلُق ، غير فاسق ، ولا مبتدع ، ولاحريص على الدُّنيا ، فهذا عَلقمة العطاردى يُوصى ابنه فيقول له : " يا بنى ، إذا عرضت لك إلى صُّحْبَة الِّرِّجال حاجة ، فاصحب من إذا خدمته صانك ، وإذا صحبته زانك ، وإن قعَدَت بك مئونة ٌمانك ، إصحب من إذا مددت يدك بخير مدَّها ، وإن رأى منك حسَنة ًعدَّها ، وإن رأى سيئَة سَدَّها ، اصحب من إذا سألته أعطاك ، وإن سكتَّ ابتدأك ، وإن نزلت بك نازلة واساك ؛ واصْحَب من إذا قُلت صدَّق قوْلك ، وإذا حاولتما أمْرا ً أمَّرك ، وإن تنازعتما آثرك " وهكذا نرى أن علقمة لم يدع صفة من صفات الخير ، ولا خلقا ً من مكارم الأخلاق ، إلا وضعه فى ذلك الصاحب المثالى ، ولذلك يُرْوَى أن المأمون حينما سمع هذه الوصية قال : – فأين هذا ؟ فقيل له : أتدرى لم أوصاه بذلك ؟ قال : لا ، فقيل : لأنه أراد ان لايُصاحِب أحدا ً .
وإذا كان من واجب العاقل أن يحذر مُخالطة أهل السوء . فإن من واجبه كذلك أن يحرص على مُخالطة أهل الخير ، وهذا الفاروق عمر رضوان الله عليه يقول : "لولا أن أسير فى سبيل الله ، أو أضع جبهتى فى التراب لله ، أو أن أجالس قوْما يلتقطون طيِّب القول ، كما يلتقط طيب الثمر ، لأحببت أن أكون قد لحقت بالله ".
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى هذا المعنى – فى الحديث النبوى – : " مثل ط§ظ„ط¬ظ„ظٹط³ ط§ظ„طµط§ظ„ط مثل الدارىّ ،إن لم يحذك عطره ، علقك من ريحه " .والدارىّ – بتشديد الياء – هو بائع الطّيب ، والمعنى أن هذا ط§ظ„ط¬ظ„ظٹط³ ط§ظ„طµط§ظ„ط إمّا أن يُعطيك من عًطره ، وإمّا أن تشم منه رائحة طيبة .
اللهم جمِّلنا بأدب ديندك ، وهدى رسولك ، واجعلنا من الصالحين .
اللهم امين بورك فيكى وفيما طرحتى ……………