بسم الله الرحمن الرحيم
هجر القرآن أنواع :
أحدها : هجر سماعه, و الإيمان به, و الإصغاء إليه.
و الثاني : هجر العمل به, و الوقوف عند حلاله و حرامه, و إن قرأه و آمن به.
و الثالث : هجر تحكيمه و التحاكم إليه في أصول الدين و فروعه, و اعتقاد أنه لا يفيد اليقين, و أن أدلته لفظية لا تحصل العلم.
و الرابع : هجر تدبره و تفهمه و معرفة ما أراد المتكلم به منه.
و الخامس : هجر الإستشفاء به و التداوي به في جميع أمراض القلوب و أدوائها؛ فيطلب شفاء داه من غيره, و يهجر التداوي به.
و كل هذا داخل في قوله تعالى : ﴿ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ﴾ الفرقان 30 , و إن كان بعض الهجر أهون من بعض.
و كذلك الحرج الذي في الصدور منه؛ فإنه تارة يكون حرجا من إنزاله و كونه حقا من عند الله, و تارة يكون من جهة المتكلم به أو كونه مخلوقا من بعض مخلوقاته ألهم غيره أن تكلم به, و تارة يكون من جهة كفايته و عدمها, و أنه لا يكفي العباد, بل هم محتاجون معه إلى المعقولات و الأقيسة أو الآراء و السياسات. و تارة يكون من جهة دلالته و ما أريد به حقائقه المفهومة منه عند الخطاب, أو أريد به تأويلها و إخراجها عن حقائقها إلى تأويلات مستكرهة مشتركة. و تارة يكون من جهة كون تلك الحقائق, و إن كانت مرادة , فهي ثابتة في نفس الأمر, أو أوهم أنها مرادة لضرب من المصلحة.
فكل هؤلاء في صدورهم حرج من القرآن, و هم يعلمون ذلك من نفوسهم و يجدونه في صدورهم, و لا تجد مبتدعا في دينه قط إلا و في قلبه حرج من الآيات التي تخالف بدعته. كما أنك لا تجد ظالما فاجرا إلا و في صدره حرج من الآيات التي تحول بينه و بين إرادته.
فتدبر هذا المعنى ثم ارض لنفسك بما تشاء.
منقول من كتاب الفوائد لابن قيم الجوزية
الله يجزاااكِ الجنه