السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
أخي المسلم : ربما تعاني من كآبة أو ضيق في الصدر لأنك لا تملك أياً مما يلي :
– جمالاً معيناً (أي أن تكون على درجة معينة من الجمال) أو
– نوعاً من الثياب أو
– أثاثاً منزلياً (سريراً أو خزانة أو …) أو
– هاتفاً عادياً أو نقالاً أو
– كمبيوتراً أو
– مبلغاً من المال أو
– رصيداً في البنك أو
– زوجة أو
– أطفالاً أو
– بيتاً واسعاً جميلاً و سيارة فاخرة أو
– عملاً ذا مواصفات معينة أو
– والداً كما تحب و ترضى
– أو انتماء لعرق أو بلد أو
– أن تدرس في جامعة أو معهد أو ………..
و ربما تظن أن امتلاكك لهذا الشيء أو لتلك الأشياء أمر لابد منه و لا نقاش فيه و بالتالي فإن كل يوم يمر عليك من دون أن يتحقق مرادك يجعلك تعاني و تعيش في كرب شديد و ربما سببت للآخرين أذيات مختلفة فهل مفهومك في هذا صحيح ؟
أخي المسلم : هل سألت نفسك إن كنت على حق أم لا ؟
و هل سألت نفسك لِمَ يجب أن تمتلك ذاك الشيء أو تلك الأشياء , هل لأن والدك أو قريبك أو جارك يمتلكه ؟
و هل سألت نفسك من الذي يقرر في هذا الكون من يمتلك كذا و من يمتلك كذا ؟
و هل سألت نفسك إن كنت أديت ما عليك قبل أن تطلب ما تطلب أم أنك تظن أن عملك القليل الذي تقوم به كاف لتحصيل كل ما تريد ؟
و هل سألت نفسك ما فائدة تضييع وقتك في النحيب على ما ليس لديك و كم ستتمتع به في حال حصلت عليه ؟
و هل سألت نفسك لِمَ تعلق سعادتك فيما لا تملك و لا تسعد نفسك بما لديك من نِعَم بدل ذلك ؟
و هل سألت نفسك كذلك لِمَ تمتلك أشياء لا يمتلكها الكثيرون ؟
و هل سألت نفسك إن كانت نفسك عليمة بعواقب أمرك و تأكدت من أن امتلاكك لهذا الشيء أو تلك الأشياء سيفيدك حتماً أم أنك لا تبالي إلا بملء البطون و إشباع الشهوات ؟
و هل سألت نفسك إن كان لديك الوقت لاكتساب كل ما تريد و التمتع به و الحفاظ عليه أبد الآبدين , أم أن متعتك تتمثل في اكتسابه فقط ؟
و هل سألت نفسك إن كان أحد قد حاز على كل شيء قبلك و في نفس الوقت وجد لنفسه الوقت الكافي للتمتع به ؟
هل أجبت على كل هذه الأسئلة و غيرها قبل أن تتضايق من عدم حصولك على مرادك ؟
أخي المسلم : تطلب لنفسك شيئاً و ربما أشياء و تعتبرها من بديهيات الأمور و ان الحياة لا تحلو إلا بها و تنسى أن الدنيا هي دار العمل و الجد و النشاط و ليست هي الجنة المرجوة و تنسى أن الطالب المجتهد يقضي سنين في الدراسة ليحصل بعدها على شهادته التي يريد و تنسى أنك طالب في هذه الدنيا لتحصيل الجنة و ربما المراتب العليا فيها و ليس لإشباع شهواتك كلها و تنسى أن البلاء من الله عزوجل شيء لابد منه مهما تغيرت صورته و شكله و أنه جل جلاله هو الذي يقرر من يحصل على كذا و من يحصل على كذا , يعطيك أشياء و يحرمها آخرين و يمنعك أشياء و يعطيها آخرين , فلا تشترط لنفسك ما يجب أن يكون عندك بل اعمل على ذلك بما يرضي الله عزوجل فإن أعطاك فله الحمد و الفضل و المنة و إن منعك فله الفضل و الحمد و المنة أيضاً لأن عطاءه عطاء و منعه عطاء و عش مع ما لديك من النّعَم و احمد الله عزوجل عليها فكم من شخص يتمنى ما عندك من نِعَمٍ , هاك عاجز يتمنى أن يكون لديه قدمين مثل قدميك و ذاك أعمى يتمنى أن يكون لديه عينين مثل عينيك و هذا الفقير يتمنى أن يكون لديه غرفة من غرف بيتك الذي لا يعجبك و كم من يتيم يتمنى أن يكون لديه والد مثل والدك الذي تعقه و كم من جاهل غني يتمنى شهادتك الدنيوية التي لا تقيم لها و.ً بدل ماله الذي لديه و كم من ضال يتمنى تقواك التي تبخسها حقها و كم من حَسَن الخِلقة سيء الخُلُق يتمنى أخلاقك الجميلة التي غفلت عنها و كم و كم ….
تذكر يا أخي أن العمر أقصر من أن تكسب فيه كل ما تريد و في نفس الوقت أن تتنعم بما حصلت عليه و أنك لا تدري إن أتتك نعمة هل ستأخذ بيدك للجنان أم أنك ستهوي بها للجحيم و هل ستكون سبباً في سعادتك الدنيوية أم أنها ستحمل لك هموماً لا طاقة لك بها و تذكر أيضاً أن في الحياة نِعَماً كثيرة لا تحتاج منك إلا إلى تحصيلها كالعلم و الخُلُق الحسن و التأمل و الحكمة و العبادة و معاشرة الناس بما يرضي الله عزوجل و السعي على اليتيم و الفقير و الأرملة و المسكين و ذكر الله عزوجل و قضاء حوائج الناس .
و تذكر أيضاً أن نِعَم الدنيا زائلة بائدة و لن تستطيع الحفاظ عليها مهما عملت و أن نعيم الدنيا أشبه بالحلم , حلاله حساب و حرامه عقاب و أن الفَطِن الفطن من تزود ليوم لا يوم بعده فإما إلى جنة لا نهاية للذائذها و إما إلى نار تعيس زائرها .
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) البقرة
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) التكاثر
الكاتب : د.محمد رأفت أحمد عثمان/دمشق2011
ودي واحترامي
شكراً لك , جعلك الله إماماً في الخير و الهدى و التقى و كتبك في عليين .