تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » في بطن الحوت

في بطن الحوت


في بطن الحوت

كل الناس يذكرون الله عند الشدائد…

لكن منهم من يذكره ويطيعه…فإذا زالت الشدة عصاه ونساه…

ومنهم من يستمر صلاحه وتوبته…

يونس عليه السلام…دعا قومه إلى الإيمان…فأعرضوا وتكبروا…فغضب…وركب البحر مع سفينة…فلما ثقلت بهم خافوا أن يغرقوا جميعاً…فعلموا أنه لابد أن يخففوا الحمل بإلقاء أحد ركابها إلى البحر…عملوا القرعة مراراً فوقعت على يونس…ألقوه في البحر…فالتقمه الحوت…ثم نزل به إلى الأعماق…

كل شيء حدث بسرعة…يونس في الظلمات…

تسمع حوله…فإذا به يسمع تسبيح الحصى الذي في قعر البحر…

فنتفض… (فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)..

فقرعت كلماته أبواب السماء…فنزل عليه الفرج…

هذا خبر يونس النبي عليه الصلاة والسلام…

أما يونس اليوم فيقول:

كنتُ شاباً أظن بأن الحياة… مال وفير… وفراش وثير… ومركب وطيء…
وكان يوم جمعة… جلستُ مع مجموعة من رفقاء الدرب على الشاطىء…وهم كالعادة مجموعة من القلوب الغافلة… سمعت النداء… حي على الصلاة… حي على الفلاح…

أقسم أني سمعت الأذان طوال حياتي… ولكني لم أفقه يومآ معنى كلمة فلاح…طبع الشيطان على قلبي…حتى صارت كلمات الأذان كأنها تقال بلغة لا أفهمها… كان الناس حولنا يفرشون سجاداتهم…ويجتمعون للصلاة…ونحن كنا نجهز عدة الغوص وأنابيب الهواء… استعداداً لرحلةٍ تحت الماء…لبسنا عدة الغوص..ودخلنا البحر…بعدنا عن الشاطىء…حتى صرنا في بطن البحر…

كان كل شيء على ما يرام…الرحلة جميلة…

وفي غمرة المتعة…فجأة تمزقت القطعة المطاطية التي يطبق عليها الغواص بأسنانه وشفتيه لتحول دون دخول الماء إلى الفم…ولتمده بالهواء من الأنبوب…
وتمزقت أثناء دخول الهواء إلى رئتي… وفجأة أغلقت قطرات الماء المالح المجرى التنفسي… وبدأت أموت…

بدأت رئتي تستغيث وتنتفض… تريد هواء… أي هواء…

أخذت أضطرب…البحر مظلم…رفاقي بعيدون عني…

بدأت أدرك خطورة الموقف…إنني أموت… بدأت أشهق… وأشرق بالماء المالح… بدأ شريط حياتي بالمرور أمام عيناي… مع أول شهقة… عرفت كم أنا ضعيف… بضع قطرات مالحة سلطها الله علي ليريني أنه هو القوي الجبار…

آمنت أنه لا ملجأ من الله إلا إليه… حاولت التحرك بسرعة للخروج من الماء…إلا أني كنت على عمق كبير… ليست المشكلة أن أموت…المشكلة كيف سألقى الله؟!

إذا سألني عن عملي…ماذا سأقول؟

أما أول ما أحاسب عنه…الصلاة… وقد ضيعتها…تذكرت الشهادتين…فأردت أن يختم لي بهما…. فقلت: أشهـ… فغصّ حلقي وكأن يداً خفيةً تطبق على رقبتي لتمنعني من نطقها… حاولتُ جاهداً… أشهـ… أشهـ… بدأ قلبي يصرخ: ربِّ ارجعون… ربِّ ارجعون… ساعة… دقيقة… لحظة… ولكن هيهات…

بدأت أفقد الشعور بكل شيء… أحاطت بي ظلمة غريبة…

هذا آخر ما أتذكر…

لكن رحمة ربي كانت أوسع… فجأة بدأ الهواء يتسرب إلى صدري مرة أخرى… انقشعت الظلمة… فتحت عيني… فإذا أحد الأصحاب…يثبت خرطوم الهواء في فمي… محاولاً إنعاشي… ونحن مازلنا في بطن البحر… رأيت ابتسامة على محياه… فهمت منها أنني بخير… عندها صاح قلبي ولساني وكل خلية في جسدي…

أشهد أن لا إله إلا الله …وأشهد أن محمد رسول الله… الحمد لله…

خرجت من الماء…وأنا شخص أخر… تغيرت نظرتي للحياة…أصبحت الأيام تزيدني من الله قرباً…أدركت سر وجودي في الحياة…تذكرت قول الله (إلا ليعبدون)…؟

صحيح ما خلقنا عبثاً…مرت أيام…فتذكرت تلك الحادثة…فذهبت إلى البحر…ولبست لباس الغوص… ثم أقبلت إلى الماء وحدي وتوجهت إلى مكان نفسه في بطن البحر… وسجدت لله تعالى سجدةً ما أذكر أني سجدت مثلها في حياتي… في مكان لا أظن أن إنساناً قبلي قد سجد فيه لله تعالى… عسى أن يشهد علي هذا المكان يوم القيامة فيرحمني الله بسجدتي في بطن البحر ويدخلني جنته اللهم أمين…

من كتاب "في بطن الحوت" للشيخ الدكتور محمد العريفي

جزاك الله خير وبارك الله فيك اخوي

يعافيك ربي بكل خير

دمت بود

جزاك الله خير

بارك الله فيك ورحم الله والديك, يعطيك الف عافيه

اشكر لكم مروووركم وتعقيبكم الراائع مع اطيب المنى بالتوفيق .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.