عبده ورسوله .
أما بعد :
إن العقل ملكة وطاقة هائلة منحها الله تعالى الإنسان , قال تعالى " إن عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال
فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا " الأحزاب آية 72
ولقد ذكر العلماء والمفسرون أقوالا كثيرة في تفسيرهم " للأمانة " والذي رجحه أغلب العلماء أن المقصود بالأمانة
هي ملكة العقل وهو مناط التكليف في الحياة الدنيا , وإذا كانت الروح والنفس في الرجل والمرأة سواء , فكذلك
العقل في الرجل والمرأة لابد أن يكون سواء .
من أجل ذلك أتهم الاسلام أنه ينتقص من حق المرأة , ويحط من قدرها , عندما ذكر الحديث النبوي أن عقل المرأة أقل
من عقل الرجل , فقال صلى الله عليه وسلم : " النساء ناقصات عقل ودين " فهمهم هذا فهم ناقص , وبحث غير مكتمل
كمن يقرأ جزءا من آية كريمة " لا تقربوا الصلاة " ويقول : إن القرآن نهانا أن نصلي
روى الإمامان مسلم والبخاري في صحيحهما عن أبي سعيد الخدري قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
المصلى فمر على النساء فقال : " يا معشر النساء , ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن
قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يارسول الله ؟ قال : أليس شهادة إحداكن مثل نصف الرجل ؟ قلن : بلى قال : فذلك
نقصان عقلها . فقال : أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ؟ قلن : بلى , قال فذلك نقصان دينها .
هذا الحديث الشريف : ذكر أن النساء ناقصات عقل ودين , وذكر أسباب ذلك . ولقد تبادر إلى ذهن بعض أعداء الدين
أن الإسلام يعتبر أن عقل المرأة ناقص , وأقل من عقل الرجل , وظنوا أن نقصان عقل المرأة , هو نقصان في
قدراتها العقلية . " أو الذكاء كما يسميه علماء النفس " وأن قدرات النساء على التفكير أقل من قدرات الرجال , أي
أن المرأة أقل ذكاء من الرجل
إن فهم هذا الحديث الشريف , لا يتم بمعزل عن فهم معاني آية الدين التي تتضمن نصاب الإشهاد وذلك في قول الله
عز وجل " يا أيها الذين آمنوا إن تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه " إلى قوله تعالى " وستشهدواشهيدين
من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى "
ولم تذكر الآية الكريمة أن القدرات العقلية في المرأة أقل من القدرات العقلية في الرجل , ولكن الآية ذكرت أن المرأة
أكثر من الرجل نسيانا في أمور التعاقد على الديون , وهي عمليات حسابية فيها الكثير من الجدل والتعقيد .
هذا الحديث النبوي الشريف " النساء ناقصات عقل ودين " يجب أن يفهم فهما جيدا ويفسر تفسيرا صحيحا :
أولا : الحديث الشريف يخاطب فيه مجموعة من النساء يقول لهن " يا معشر النساء " ولا يشرع شريعة عامة لكل
النساء فهو حديث عن " واقع " ويتغير الحكم فيه تبعا لتغير الواقع فهو ليس حديث تشريع .
ثانيا : الحديث الشريف يشير إلى قوة تأثير المرأة على الرجل , بما حباها الله من فيض العطف والرقة والحنان , الذي
يفتقده الرجل في غيرها , لذلك فهن أذهب للب الرجل الحازم من كل ما خلق الله من خلق , كما أن وصف نقص الدين
كان في النساء لسبب محمود غير مذموم فيهن .
ثالثا : ملكة العقل جعلها الله تعالى للإنسان , قال تعالى عنها " وحملها الإنسان " والإنسان رجل وامرأة لذلك فإن
الرجل والمرأة متساويان في ملكة العقل , وقال الإمام محمد عبده : " إن حقوق المرأة والرجل متبادلة , وهما أكفاء
ومتماثلان في الحقوق والأعمال , وكلاهما بشر تام له عقل يتفكر في مصالحه " .
كما أنه لا تفاضل بين المرأة والرجل في الأعمال والتكليف , نجد ذلك في قوله تعالى " للرجال نصيب مما اكتسبوا
وللنساء نصيب مما اكتسبن " النساء آية 32 .
رابعا : إن نقص عقل المرأة عن عقل الرجل يتعارض مع قوله تعالى " ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " التين آية 4
والإنسان الرجل والمرأة ولا يتعارض حديث صحيح مع آية قرآنية .
خامسا : الرجل والمرأة متساويان في المسئوليات الشرعية كما قال تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض
يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله
عزيز حكيم " التوبة 71
سادسا : تختلف صفات الرجولة عن صفات الأنوثة , وذلك لمصلحة كليهما , وكل منهما يسد النقص في الآخر , ويتكامل
مع الآخر . ولو كانا في صفات واحدة , ما سكن كل منهما للأخر , وما صلح كل منهما للمهمة التي خلقه الله تعالى
من أجلها في الحياة الدنيا .
لم يدرك المفسرون للحديث النبوي " النساء ناقصات عقل ودين " والتفسير العلمي الصحيح فيه , وذلك لقصور علمهم
عن ماهية العقل .
ولقد توصل بعض الفلاسفة الكبار إلى ماهية العقل فقالوا إن العقل عقلان :
1- عقل غريزي : وهو الأصل , ويتعلق بالتكاليف الشرعية , وطاقة التحكم في العاطفة .
2 – عقل مكتسب : وهو الفزع , ويتعلق بالذكاء والعلم والنبوغ .
وقال الإمام علي رضي الله عنه :
رأيت العقل عقلين فمطبوع ومسموع
ولا ينفع مسموع إذا لم يك مطبوع
كما لا تنفع الشمس وضوء العين ممنوع
وعلل إبن تيمية حكمة أن شهادة امرأتين – في هذه الحالة – تعدل شهادة رجل الواحد , بأن المرأة عادة ليست ممن
يتحمل مجالس هذه المعاملات , ولكن إذا تطورت خبرتها في الحساب والمحاسبة , كانت شهادتها حتى في الإشهاد
على حفظ الدين , مساوية لشهادة الرجل , والحديث النبوي الشريف يتحدث عن واقع ولا يتحدث عن تشريع .
الحديث النبوي يتحدث عن الإشهاد , وليس في الشهادة في قضية ما أمام القضاء , والرجل والمرأة سواء في
الشهادة وقد يكتفي القاضي في قضية ما بشهادة امرأة واحدة أو امرأة ورجل , أو امرأتين , لا فرق ولكن الإشهاد
فيه توثيق حقوق الدين في عقود , في جلسة تحرير العقد وتوثيقه بكل تفاصيله الحسابية , وهي أمور قد يدخل
فيها نسيان المرأة , فتذكر إحداهما الأخرى , لأن المرأة عادة بعيدة عن مثل هذه المجالس .
وقال إبن القيم : إن المرأة العدل كالرجل العدل في الشهادة والصدق والأمانة والديانة .
بقلم
[align=center]د: أحمد شوقي ابراهيم [/align]
الموضوع المميز
والطرح الرائع
أثابك الله خير الجزاء
وجعله في ميزان حسناتك[/align][/align]
سعدت وسررت مرورك الطيب
بارك الله فيك
مالت عليك أغصان الجنة وهب عليك من نسيمها وأسكنك الله الفردوس الأعلى
تشرفت بمرورك الطيب
بارك الله فيك
مالت عليك أغصان الجنة وهب عليك من نسيمها وأسكنك الله الفردوس الأعلى [/align]
[/frame]