كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ للمسلم أن يكون منتبهًا للأحداث من حوله، فلا يَحدُث تغيير إلا ويكون المسلم واعيًا غير غافل، مدركًا أن الله عز وجل بيده كل شيء، وهو المتصرِّف في كونه، وهو الذي يُحْدِث التغيير أو يمنعه؛ ومن ذلك ما كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم عند رؤية المطر، فالمطر نفسه تغيير في حالة الجوِّ، فضلاً عن أنه يُحْدِث تغييرًا في الأرض عند نزوله، وهذا التغيير قد يكون جميلاً بالخضرة والنماء، وقد يكون قبيحًا بالإهلاك والفناء، والمسلم الواعي مدركٌ لذلك كله؛ لذلك كان من سُنَّته صلى الله عليه وسلم أنه يدعو بدعاء خاصٍّ لكل نوع من المطر؛ فإن كان ط§ظ„ظ…ط·ط± خفيفًا لطيفًا كان له دعاء معيَّن، وإن كان شديدًا عنيفًا كان له دعاء آخر؛ فقد روى البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا رَأَى المَطَرَ، قَالَ: "اللَّهُمَّ صَيِّبًا نَافِعًا". فهذا دعاؤه في الحالة الأولى.
أما في الحالة الثانية، فقد روى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ النَّاسُ، فَصَاحُوا، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَحَطَ المَطَرُ، وَاحْمَرَّتِ الشَّجَرُ، وَهَلَكَتِ البَهَائِمُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا". مَرَّتَيْنِ، وَايْمُ اللَّهِ، مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً مِنْ سَحَابٍ، فَنَشَأَتْ سَحَابَةٌ وَأَمْطَرَتْ، وَنَزَلَ عَنِ المِنْبَرِ فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ، لَمْ تَزَلْ تُمْطِرُ إِلَى الجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا، فَلَمَّا قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ، صَاحُوا إِلَيْهِ تَهَدَّمَتِ البُيُوتُ، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهَا عَنَّا. فَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا". فَكَشَطَتِ المَدِينَةُ، فَجَعَلَتْ تَمْطُرُ حَوْلَهَا وَلاَ تَمْطُرُ بِالْمَدِينَةِ قَطْرَةٌ، فَنَظَرْتُ إِلَى المَدِينَةِ وَإِنَّهَا لَفِي مِثْلِ الإِكْلِيلِ.
والإكليل هو كل ما أحاط بالشيء، فقد صار ط§ظ„ظ…ط·ط± -بعد دعاء النبي صلى الله عليه وسلم- يحيط بالمدينة، فيُنْبِت الزروع ويُكثر الكلأ، وذلك دون أن يُحدث إهلاكًا بالمدينة أو دمارًا، فهكذا عَلَّمَنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننتبه للأمور من حولنا، فيكون لنا شأن مع كل تغيير.
ولا تنسوا شعارنا: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور: 54].
د.راغب السرجاني
[/CENTER]