في كل عيد وفي نهاية كل عام دراسي يخرج الآباء وتخرج الأمهات مع أبنائهم وبناتهم الصغار فرحين إلى الأسواق لشراء الهدايا من المحلات التي تعرض الآلاف من الألعاب الجديدة في كل عام. وننتقي ما يعجب أطفالنا وما نأمل أن يشغل أوقات فراغهم أثناء الإجازة. ونحن كآباء نتوقع أن هيئة المواصفات والمقاييس قد فحصتها وتأكدت من سلامتها، ونظن أنها آمنة، ولا يمكن أن تسبب أذى للطفل أو تعرضه للخطر. هذا ظن، فكيف لنا أن نتأكد، خاصة بعد الهالة الإعلامية التي لازمت أزمة الألعاب الصينية بعد اكتشاف أنها تحتوي على مركبات سامة، ومعادن ثقيلة مثل الرصاص.
الرصاص؛ لهذا المعدن قدرة فائقة على إصابة وإعاقة النمو الذهني والتطور السلوكي عند الأطفال. وهو أمر تم التحقق منه علميا، وأثبتته التجارب، وأصبح اليوم من المسلمات. فالأطفال الذين تعرضوا لمستويات مرتفعة من الرصاص يحققون نتائج ضعيفة في امتحان الذكاء، (IQ test)، ويظهر التهور في سلوكياتهم بدرجة أكبر من نظرائهم الذين لم يتعرضوا لهذه المستويات العالية.
ففي دراسة حديثة من جامعة ديوك الأمريكية تشير النتائج إلى أن تعرض ط§ظ„ط£ط·ظپط§ظ„ للرصاص في مرحلة مبكرة من العمر يلازمهم إلى ما بعد مرحلة الطفولة، ويؤثر سلبا على نتائج امتحان الذكاء. وفي دراسة أخرى أجراها مركز الوقاية من الأمراض والتحكم بها، في الولايات المتحدة، وجد الباحثون علاقة قوية بين التعرض لمستويات عالية من الرصاص وضعف التركيز وقلة الانتباه عند 300,000 طفل من أعمار مختلفة.
وتلازم آثار التعرض للرصاص في مرحلة الطفولة الإنسان بعد البلوغ، ففي الولايات المتحدة لاحظ الأطباء بوضوح، الاختلاف في أنشطة الدماغ بين الشباب الذين تعرضوا أثناء طفولتهم لجرعات عالية من الرصاص والآخرين الذين لم يصل تعرضهم لتلك المستويات. لذلك تعتبر ولاية كاليفورنيا الرصاص مادة كيميائية تسبب التسمم وإعاقة. وتعتبر الوكالة الدولية لأبحاث السرطان، ووكالة حماية البيئة الأمريكية، والبرنامج القومي الأمريكي للسموم الرصاص من المواد التي تسبب السرطان.
أما كيف يمكن لألعاب ط§ظ„ط£ط·ظپط§ظ„ أن تعرض الطفل لسموم الرصاص، فأولا؛ يوجد الرصاص بتركيزات عالية في الدهانات التي تستخدم لتلوين الألعاب. وقد حظرت قوانين الولايات المتحدة استخدام الرصاص في صناعة الدهانات التي تستخدم في طلاء المنازل وأواني الطعام وألعاب الأطفال، إلا أن المسؤولين في وكالة حماية البيئة وجدوا في طلاء الألعاب المستوردة تركيزات عالية من الرصاص وحذروا منها. وقررت لجنة سلامة المنتجات في الولايات المتحدة سحب كميات كبيرة من ط£ظ„ط¹ط§ط¨ ط§ظ„ط£ط·ظپط§ظ„ بعد أن تأكد لها وجود الرصاص في الدهانات المستخدمة لطلائها.
وثانياً؛ يتم إضافة الرصاص إلى بعض أنواع البلاستيك ليكسبه مرونة عالية تسمح بتشكيله ثم إعادته إلى الشكل الأصلي تماما، كما أن إضافة الرصاص تكسب البلاستيك الملمس الناعم واللين الذي نراه في الدمى المرنة للحيوانات الصغيرة وبعض الشخصيات الكرتونية. ففي دراسات أمريكية على هذه الدمى وجد الرصاص بتركيزات عالية بلغت 40% في بعض الدمى، بينما لا يسمح القانون الأمريكي بوجود أكثر من 0.06% من الرصاص في هذه الألعاب.
وأطلق قسم الصحة في ولاية إنديانا الأمريكية عام ( 2024 )( 2024 )( 2024 )( 2024 )، تحذيرا من الألعاب التي توزعها المكتبات للأطفال في المخيمات الصيفية، بعد أن وجد الرصاص فيها بتركيزات عالية جدا.
وثالثاً، في ملابس ط§ظ„ط£ط·ظپط§ظ„ المصنوعة من البلاستيك، خاصة مادة الفينيل التي تستخدم لمنع تسرب السوائل، والتي عادة ما يصنع منها الجزء الواقي من البلل كما هو معروف في صدرية الأطفال، ففي شتاء ( 2024 )( 2024 )( 2024 )( 2024 )م وجد مركز صحية البيئة بالولايات المتحدة نسبة عالية من الرصاص في صدرية ط§ظ„ط£ط·ظپط§ظ„ المعروضة في بعض المحلات التجارية المعروفة كوول مارت، مما دفع المركز لدراسة باقي الماركات المحلية والعالمية، وكانت مفاجأة عندما عرف الباحثون أن كثيرا من هذه الملابس تحتوي على كميات كبير وبدرجات متفاوتة من الرصاص القاتل.
وأخيرا يوجد الرصاص بكميات عالية في بعض مستحضرات التجميل التي يلعب بها الأطفال، بل وحتى التي تستخدمها الكبيرات من النساء، خاصة أحمر الشفاه. ففي دراسة محايدة، وجد الرصاص في أكثر من ثلث العينات التي جمعت من الأسواق من أحمر الشفاه، وحتى في تلك الماركات العالمية، كلوريل وكرستيان ديور وغيرها، بتركيز يفوق الذي تسمح به وكالة الغذاء والدواء الأمريكية. ومن الغريب أن هذه الماركات جميعها لم تذكر الرصاص أو تشير إليه ضمن المركبات المستخدمة في تصنيع السلعة.
هذا حالهم في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ودول أوروبا، وبالرغم من الحرص الشديد لمؤسسات حماية المستهلك وحماية البيئة على منع وصول هذه المواد إلى المستهلك، فكيف بنا ونحن نجد أسواقنا مفتوحة بشكل لا عقلاني؟
أبناؤنا الصغار هم أغلى وأعز ما عندنا، ومن قدر له زيارة محلات ط£ظ„ط¹ط§ط¨ ط§ظ„ط£ط·ظپط§ظ„ الكبيرة والصغيرة خاصة في المناطق والأسواق الشعبية ومحلات "كل شيء بريالين"، يعرف أن الرصاص ليس الخطر الوحيد الذي يتعرض له أطفالنا من هذه الألعاب. فأين الرقابة الصارمة وهيئة المواصفات والمقاييس؟
* أكاديمي وباحث بيئي