هناك أمر عجيب جدا أن هذا الصحابي ط§ظ„ظƒط¨ظٹط± مع مابلغ من العلم والفقه والفتيا إلا أنه توفي ولم يبلغ من العمر أربعة وثلاثين عاماً فانظروا يا رعاكم الله ماذا قدم للأمة من علم وكم نقل لها من حديث وأثر ، وكم فقه وكم علم وكم أدب وكم أفتى ، فماذا قدمنا لديننا ، بل ماذا قدمنا لأنفسنا لنرضي ربنا ..فإليكم طرفاً يسيراً من سيرته رضي الله عنه قيل في المشهور من كلام العرب ( ليس الشأن أن تُحِب ولكن الشأن أن تُحَب ) ، وهذا الكلام يُقال خاصة إذا كان المحب لك أجل منك وأعظم قدراً ، وهذا هو ما حصل وما كان ، فالذي أظهر الحب هو اجل قدراً وأعظم شأناً من المحبوب ، كيف وإن قلت لكم أن هذا المحب – من أظهر الحب – هو إمام المرسلين وخاتم النبين ورسول رب العالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بل ويقسم صلى الله عليه وسلم على حبه لهذا الرجل .. كأن نفوسكم تاقت – وحُق لها – أن تعرف الرجل الذي أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحبه ..إذن اسمعوا اخرج الإمام الحاكم في مستدركه بسنده عن الصنابحي عن معاذ بن جبل أنه قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيدي يوما ثم قال يا معاذ والله إني لأحبك فقال معاذ بأبي وأمي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا والله أحبك فقال أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك قال وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى الصنابحي أبا عبد الرحمن الحبلى وأوصى أبو عبد الرحمن عقبة بن مسلم ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، والحديث رواه أبو داود والنسائي . إذن ففارسنا هو معاذ بن جبل رضي الله ، فمن هو معاذ ، وما هي سيرته ، وكيف وصل إلى مثل هذه المنزلة العلية ، ويكفي أن نقول تعريفاً بمعاذ رضي الله عنه ، أنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم . اسمه معاذ بن جبل بن عمرو السيد الإمام أبو عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي المدني البدري . لإسلامه قصة طريفة عجيبة ، فقد كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أخاً له في الجاهلية وكان لمعاذ بن جبل صنم فأتى عبد الله منزل معاذ ومعاذ غائب ففلذ صنمه فلذاً – أي قطعه تقطيعاً – فلما رجع معاذ وجد امرأته تبكي فقال ما وراءك فأخبرته بصنيع ابن رواحة بإلهه فتفكر معاذ في نفسه وقال لو كان عند هذا طائل لامتنع – لو كانت عنده القدرة لدافع هذا الإله المزعوم عن نفسه – ثم جاء إلى عبد الله بن رواحة وقال انطلق بنا إلى رسول الله فانطلق به فأسلم . رضي الله عنك ياعبد الله بن رواحة ورضي الله عنك يامعاذ ، عقل وحكمة بعد توفيق الله وهدايته قادته إلى الهدى والنور والحق واليقين ، وهكذا ياأُخي يارعاك الله تدبر في جميع شؤونك وأحوالك ، هل أنت على الحق والهدى ، على أنت على الطريق المستقيم ، هل تحتاج حياتك إلى مراجعة أو مراجعات قف مع نفسك وقفة بل وقفات وخاطبها على أعمالي هل أقوالي تقودني إلى الجنة ، هل هي خالصة لله عز وجل .. . أما معاذ بن جبل فقد اتضح له الحق لما وقف تلك الوقفة الصادقة فلو كان الذي يعبده يُغني عن نفسه شيئاً قد يكفي غيره كيف والحال أن إلهه المزعوم قد قُطع قطعاً … ففاق معاذ رضي الله عنه من سباته وانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم موحداً ومسلماً . وهناك لازم النبي صلى الله عليه وسلم وتعلم منه وتفقه على يديه ، فقرأ القرآن وأقرأه ، حتى أصبح من أعلم الأمة بالحلال والحرام ، ذكر الإمام الذهبي في سيره بسنده : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة استخلف عليها عتاب بن أسيد يصلي بهم وخلف معاذا يقرئهم ويفقههم . وخطب عمر رضي الله الناس بالجابية فقال من أراد الفقه فليأت معاذ بن جبل ، بل ثبت أنه يُفتي الناس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم ليفقه اهل اليمن بدينهم ، فنفع الله به نفعاً كثيراً ، ردفه النبي صلى الله عليه وسلم على حماره وعلمه جملة من العلوم وفي ذلك مكانة ظاهرة لمعاذ في اختصاصه رضي الله عنه . كان معاذ رضي الله عنه عابداً صالحاً قانتاً لله ، فقد كان أصحابه رضوان الله عليهم ينعتنونه بما نُعت به إبراهيم عليه السلام بأنه كان امة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين . وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، انطلق معاذ رضي الله عنه يدعوا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، فاستقر به الأمر في بلاد الشام وتحديداً في دمشق ، يسبق قوله فعله ، وعمله علمه ، أخرج الإمام أحمد وغيره : عن أبي إدريس الخولاني التابعي ط§ظ„ظƒط¨ظٹط± رحمه الله قال دخلت مسجد دمشق الشام فإذا أنا بفتى براق الثنايا وإذا الناس حوله إذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه وصدروا عن رأيه فسألت عنه فقيل هذا معاذ بن جبل فلما كان الغد هجرت – أي بكرت – فوجدت قد سبقني بالهجير وقال إ. بالتهجير ووجدته يصلي فانتظرته حتى إذا قضى صلاته جئته من قبل وجهه فسلمت عليه فقلت له والله إنى لأحبك لله عز وجل فقال آلله فقلت آلله فقال آلله فقلت آلله فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال أبشر فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله عز وجل وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين في . لقد كان هذا الإمام العظيم والعالم ط§ظ„ظƒط¨ظٹط± رضي الله عنه يتمثل الحكمة في قوله وفعله ، وإليكم معاشر المسلمين قطوفاً دانية من كلامه رضي الله عنه تكون لنا اضاءات منيرة في طريقنا إلى الله ، فهي وصايا خرجت من طالب نجيب تربى في مدرسة النبوة على صاحبها أفضل الصلاة والتسليم ، أولها وصيته رضي الله عنه لإبنه – وأهمس هنا في أذن كل أب أبناؤك رعيتك كما حرصت على دنياهم فاحرص وفقك الله على دينهم – وصى معاذ بن جبل رضي الله عنه ابنه : يا بني إذا صليت صلاة فصل صلاة مودع لا تظن انك تعود إليها أبدا واعلم يا بني إن المؤمن يموت بين حسنتين حسنة قدمها وحسنة أخرها . إنها وصية المشفق على ولده الذي له خيري الدنيا والآخرة ، يعلم معاذ رضي الله عنه أن الصلاة عمود الدين وأساسه وإذا صلحت صلح العمل كله فيصف لولده العلاج الناجع للصلاة الخاشعة فعندما يصلي صلاة يتوقع أنه لن يصلي بعدها لإن الموت سبقه عن الصلاة الأخرى فستكون صلاته خاشعة خاضعة لله عز وجل . أتى رجل إلى معاذ رضي الله عنه وطلب منه أن يوصيه وقال: علمني فقال معاذ رضي الله عنه : وهل أنت مطيعي قال إني على طاعتك لحريص قال صم وافطر وصل ونم واكتسب ولا تأثم ولا تموتن إلا وأنت مسلم وإياك ودعوة المظلوم . إنه المنهج الوسط الذي تعلمه من رسوله صلى الله عليه وسلم ، منهج متوازن يراعي حاجات الجسد والعقل . ثم اسمعوا إلى معاذ رضي الله عنه وهو يقدم لكم هدية عظيمة جميلة يقول رضي الله عنه : ما من شيء انجى لابن ادم من عذاب الله من ذكر الله قالوا ولا السيف في سبيل الله ثلاث مرات – يعنون الجهاد في سبيل الله – قال ولا أن يضرب بسيفه في سبيل الله عز وجل حتى ينقطع . وكأنه رضي الله عنه ينقل لأصحابه رحمهم الله حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي جاء في نفس هذا المعنى ، فقد أخرج الترمذي وابن ماجة بسند صحيح سنن ابن ماجه : عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأرضاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا وماذاك يا رسول الله قال ذكر الله . معاذ بن جبل رضي الله عنه حاز على مناقب كبرى هي تاج للعلماء والفقهاء والمفتين ، رفعته الصحبة ورفعه العلم ورفعه العمل ورفعه القرآن ورفعته السنة ، جاء في كتاب الزهد للإمام أحمد أن معاذ رضي الله عنه لما حضرته الوفاة كانت من جملة ما قال : اللهم إني قد كنت أخافك فانا اليوم أرجوك اللهم إن كنت تعلم انى لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار ولا لغرس الشجر ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر .
عن الحارث بن عميرة قال : إني لجالس عند معاذ وهو يموت وهو يغمى عليه ويفيق فقال اخنق خنقك – يخاطب ربه جل جلاله – فوعزتك إني لأحبك . قال سعيد بن المسيب رحمه الله قال : قبض معاذ وهو ابن ثلاث أو أربع وثلاثين سنة . رضي الله عن معاذ بن جبل وعن أصحاب معاذ رضي الله عنهم جميعاً وصل الله وسلم على من علمهم ودلهم …. .