علاقة الابن بأمه من أهم العلاقات الإنسانية في الحياة، وكذلك علاقة الزوج بزوجته، ولأهمية هاتين العلاقتين يحرص كل زوج على أن تكون علاقته بأمه وزوجته على خير ما يُرام لما لهذا من تأثير على حياته كلها.
ولكن أحياناً يستمر ارتباط الابن بأمه لما بعد زواجه لدرجة تفوق المعقول، وبشكل زائد عن الحد المعتاد، فقد يستشير الرجل أمه في كل كبيرة وصغيرة تمر بحياته الأسرية، ويطلب منها أن تتخذ له قراراته الحياتية، وقد يصل الأمر إلى أن تحدد له الطعام الذي يأكله مع زوجته! وحين يصل الأمر إلى هذه الدرجة يطلق على هذا الابن بالعامية "ابن أمه" !
إن الأم أغلى الشخصيات في حياتنا، وطاعتها واجبة ، والله ورسوله شددا في الكثير من الآيات والأحاديث على ضرورة برها والإحسان إليها، إلا أنه يجب التفرقة بين طاعتها وبرها، والالتصاق الدائم بها وتطبيق قراراتها في حياة الرجل الشخصية والأسرية، فبعد الزواج يكون لكل حياته واستقلاله، ومن الواجب على الأم أن تساعد ابنها على الاستقلال بحياته وقراراته، وألا يظل معتمداً عليها.
وحين يصل الأمر إلى درجة متطرفة من الالتصاق بالأم ، تحدث الكثير من المشكلات، بما يهدد الحياة الأسرية للزوج بالخطر، ولهذا تساءلنا في هذا التحقيق عن أسباب اعتماد والتصاق الزوج بأمه لدرجة فوق المعقول، وكيفية التوازن في هذه العلاقة المهمة….
رجل أناني
في البداية يقول الدكتور خليل فاضل استشاري الطب النفسي : هذه قضية ذات طبيعة خاصة لأنها لا تتناول الرجل الأناني فقط، ولكنها تشير إلى الأم التي أنتجت هذه الشخصية ، وأخرجتها إلى الحياة، . ولا شك أن هناك عوامل وراثية تتحكم في شخصية وطباع الإنسان، لكن الإنسان أيضاً ابن البيئة التي يعيش فيها ونتاج التنشئة التي تترك بصماتها على شخصيته، فالأم التي تمنح للمجتمع أبناء أنانيين لا تنظر للأمر بعين أن هذا ولد وتلك فتاة، لأنها تغرس في كل أبنائها قيما تغلغل في نفوسهم بمرور الأيام فيشبون على مبدأ:" أنا ومن بعدي الطوفان."، وذلك من فرط تدليلهم في الصغر، لهذا فمن الصعب أن تسمح تلك الأم لأحد بإغضاب أطفالها أثناء لعبهم، حتى ولو كان طفلاً في سنهم، وعندما يخطئون لا تردهم عن الخطأ، فهي أم لا تعاقب أولادها ، وغالباً ما تكرر أمامهم أنهم متميزون عن غيرهم وتنصحهم بعدم السماح لأحد بأن يكون أعلى أو أفضل منهم ، فالناس لدى تلك الأم خلقوا لهدف واحد هو خدمتها هي وأبنائها الذين يتخطى حبهم بداخلها كل الحدود.
تصاعد المشكلة بعد الزواج
ويضيف الدكتور خليل : علاقات هؤلاء الأطفال الاجتماعية في الغالب لا تستمر طويلاً ، لأنه لا أحد يتحمل ذلك النمط من الشخصيات خاصة أن الأم لا تترك لأبنائها الحرية في تحديد شكل العلاقة أو اتخاذ القرارات الخاصة بما تمر به من مواقف. فما بالنا عندما يصبح هؤلاء الأبناء أزواجاً وزوجات، هنا تكون الكارثة لأنه يقع على عاتق الطرف الآخر تحمل عبء مسئوليات كل أفراد الأسرة بدءاً من الاهتمام الزائد بشريك الحياة نفسه وانتهاءً بالأبناء. لكن الأزمة تزداد عندما يكون الزوج شديد الأنانية ، لأننا في مجتمعاتنا العربية نمنح المرأة العذر في التدلل وإلقاء عبئها هي وأولادها على عاتق الزوج لا العكس. وكثيراً ما تلجأ لعيادتي زوجات يعشن تلك المأساة اليومية ، ويؤكدن لي أنهن بين طرفي سندان الزوج من ناحية ومطرقة الحماة من ناحية أخرى .فالزوج لا يكف عن ترديد كلمة أريد ، وعن التفكير في ذاته، والحماة لا تكف عن مراقبة الأداء اليومي للزوجة ومدى جودته.
العلاج بالصبر والحب
وعلى الرغم من المعاناة التي قد تسببها هذه المشكلة للزوجات والألم النفسي الناتج عن هذا نظراً لعدم قدرتها على إدارة حياتها وأسرتها بالشكل الذي تريد ، إلا أن العلاج ليس مستحيلاً وإن كان يحتاج إلى قدر من الصبر ومقدار من الحب للزوج لإكمال مسيرة الحياة معه، والحفاظ على الأسرة كلها وتماسكها ، وهذا كما يرى الدكتور يحيى الرخاوي أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة ، ويضيف: يمكن للزوجة أن تضحي وتصبر على هذا الزوج المتطرف في علاقته بأمه الأناني في تصرفاته، وأن تواصل حياتها معه من أجل الأبناء ، فلتصبر وتكملها معه بالحب وتحاول تعليمه كلمة "نحن" بدلاً من كلمة "أنا" ، فمن خلال التعامل مع الزوج برفق وحب دائم ، ولين ويمكن أن يتعلم من زوجته ما فاته في الحياة، على شرط ألا تخبره بنيتها في تغييره فيعاند. وهذا هو دور المرأة المحبة إذا ما أرادت ترويض زوجها الأناني عليها أن تبدأ بترويض قلبه على الحب، وتخرجه من عالمه الخاص. أما الحماة فمشكلتها هينة فما على الزوجة إلا تجاهل نوبات غضبها والتركيز مع زوجها وتطوير علاقته بالحياة.
الاعتدال والتوازن
أما الدكتور حامد زهران عميد كلية التربية السابق بجامعة عين شمس: أهم شيء في العلاقات الإنسانية الاعتدال والتوازن، فليس مطلوباً من الزوج بعد زواجه الانفصال والانعزال عن أسرته الأولى، وعن أمه ، كما أنه ليس مطلوباً الالتصاق المستمر والاعتماد عليها ، فهناك ارتباط حميد بالأم ، وهناك ارتباط خبيث حين يزيد عن الحد المطلوب المعقول.فالارتباط الحميد مطلوب فقد وصى الرسول صلى الله عليه وسلم على الأم في الكثير من أحاديثه، فلا نقول للزوج أن يدير ظهره لأمه بل نقول له أن يتوازن في علاقته حتى لا تفسد أسرته، وتتأثر علاقته بهذا التطرف بعلاقته بأمه.
ويقول الدكتور حامد عن شخصية هذا الزوج الملتصق بأمه أنه شخصية غير ناضجة لا يتحمل المسئولية ويبحث عمن يتحملها مكانه، ولا يعرف حدود العلاقات السوية.
وفي النهاية يوجه حديثه له قائلاً: عليك أن تعتدل في علاقتك بأمك حتى لا يدمر التطرف فيها والالتصاق غير المحمود بها أسرتك وحياتك الأسرية والاجتماعية عامة.