مِمَّانَعْجَبُ مِنْهُ طَرْحُ الأَقْوالِ وَالأَقَاوِيْلِ وَالمَوَاضِيْعِ كَطَرْحِ البِسَاطِ عَلَى الأَرْضِ دَوْنَ تَنْصِيْصٍ ! وَمَادَعَانِي لِكَتَابَةِ هَذَا المَوْضُوعِ اللَّبْسُ الوَاقَعُ مِنْ رِجَالِنَا وَنَسَائِنَا خَاصَّةً، وَزعْمِهِنَّ أَنَّ الخَدْمَةَ لَيْسَتْ مِنْ شَؤُوْنِهِنَّ وَجَزْمِهِنَّ بِذَلِكَ .
أَقُوْلُ بَدْءًا: قَالَ اِبْنُ حَبِيْبٍ المَالِكِيُّ فِي " الوَاضِحَةِ " بابُ أَقْضِيَةِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : حَكَمَ النبيُّ المُصْطَفَى بَيْنَ عَلَيٍّ وَبَيْنَ فَاطَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا حِيْنَ اِشْتَكَيَا إِلَيْهِ الخَدْمَةَ ، فَحَكَمَ عَلَى فَاطِمَةَ بِالخِدْمَةِ البَاطِنَةِ ( خِدْمَةُ البَيْتِ ) وَحَكَمَ عَلَى عَلَيٍّ بِالخِدْمَةِ الظَّاهِرَةِ ، ثم قال: اِبْنُ حَبِيْبٍ المَالِكِيُّ ، وَالخِدْمَةُ البَاطِنَةُ : العَجِينُ ، والطَّبْخُ ، والفَرْشُ ، وكَنْسُ البيتِ ، واِسْتِقَاءُ الماءِ ، وعَمَلُ البيتِ كُلِّهِ . قَالَ الذَّهَبِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَذْكِرَةِ الحُفَّاظِ .كَانَ اِبْنُ حَبِيْبٍ مُحَدِثَاً فَقِيْهَاً لُغَوِيَّاً ..إِلَخْ . وَرَوَى البُخُارِيُّ فِي بَابِ فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَى اللهُ عَلِيْهِ وَسَلَّمَ : بُابُ مَنَاقِبِ عَلَيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنَّ فَاطِمَةَ رَضْيَ اللهُ عَنْهَا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، تَشْكُوْ إِلَيْهِ مَا تَلْقَى فِي يَدَيْهَا مِنْ الرَّحَى ، وَتَسْأَلُهُ خَادِمَاً فَلَمْ تَجِدْهُ ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، فَلَمَّا جَاءَ رَسُوْلُ اللهِ أَخْبَرَتُهُ . قَالَ عَلِيٌّ : فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا ، فَذَهَبْنَا نَقُوْمُ فَقَالَ : مَكَانَكُمَا ،فَجَاءَ فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى بَطْنِي ، فَقَالَ : " أَلا أَدُلُكُمَا عَلَى مَاهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِمَّا سَأَلتُمَا ، إِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا فَسَبِّحَا اللهَ ثَلاثاً وَثَلاثِيْنَ ، وَاِحْمَدَا ثَلاثَاً وَثَلاثِيْنَ ، وَكَبِّرَا أَرْبَعَاً وَثَلاثِيْنَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ " قَالَ عَلَيٌّ فَمَا تَرَكْتُهَا بَعْدُ ، قَيْلَ لَهُ : وَلالَيْلَةَ صِفِّيْنَ قَالَ : وَلا لَيْلَةَ صِفِّيْنَ .وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ قَالَ : وَصَحَّ عِنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ :كُنْتُ أَخْدِمُ الزُّبيرَ خَدْمَةَ البِيْتِ كُلِّهِ ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ ، وَكُنْتُ أَسُوْسُهُ ، وَكُنْتُ أَحْتَشُّ لَهُ وَأَقُوْمُ عَلَيْهِ . وَفِي سِيَاقٍ وَطَرِيْقِ آخَرَ فِي المُسْنَدِ أَنَّها كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَهُ ، وَتَسْقِي المَاءَ ، وتَخْرِزُ الدَّلْوَ، وَتَعْجِنُ وتنْقُلُ النَّوَى عَلَى رَأْسِهَا مِنْ أَرْضٍ لَهُ مَسَاحَتُهَا ثُلُثَي فَرْسَخٍ .
"مَدْخَلٌ "
خِلافُ العُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلاثَةِ أَقْوَالٍ .
القَوْلُ الأَوَّلُ : ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبَوْحَنِيْفَةَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى عَدَمِ وَجُوْبِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ ، وَاِسْتَدَلُّوْا بِإِنَّ عَقَدَ النِّكَاحِ إِنَّمَا يِقْتَضِي الاسْتِمْتَاعَ لا الاسْتِخْدَامَ وَبَذْلَ المَنَافِعِ ، قَالُوْا وَالأَثَارُ المُذْكُوْرَةُ تَدُلُّ عَلَى التَّطَوْعِ وَمَكَارَمِ الأَخْلاقِ فَأَيْنَ الوُجُوْبُ ؟! .
القَوْلُ الثَّانِي : ذَهَبَ الأَكْثَرُوْنَ مِنَ السَّلَفِ وَالخَلَفِ إِلَى وَجُوْبِ خِدْمَةِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجِهَا فِي كُلِّ شَيءٍ ، وَهَذَا المَعْرُوْفُ عِنْدَ مِنْ خَاطَبَهُمُ اللهُ بِكَلامِهِ ، وَأَمَّا تَرْفِيْهُ الزَّوْجَةِ وَخِدْمَةُ الزَّوْجِ لِنَفْسِهِ ، وَكَنْسِهِ وَطَحْنِهِ وَعَجْنِهِ ، وَقِيَامِهِ بَخِدْمَةِ البَيْتِ فَمِنَ المُنْكَرِ وَاللهُ يَقُوْلُ : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بَالمَعْرُوْفِ) ، وَقَالَ تَعَالَى : (الرِّجَالُ قَوَّامُوْنَ عَلَى النِّسَاءِ ) وَإَذَا لَمْ تَخْدِمْهُ الزَّوْجَةُ، وَكَانَ هَوَ الخَادِمُ لَهَا فَهِي القَوَّامَةُ عَلَيْهِ ! وَكَذَلِكَ كَانَ مَهْرُهَا فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِهَا . وَكُلٌّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ يَقْضِي وَطَرَهُ مِنْ صَاحِبِهِ ، فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللهُ نَفَقَتَهَا وَكِسْوَتَهَا وَمَسْكَنَهَا فِي مُقَابَلَةِ اِسْتِمْتَاعِهِ بِهَا وَخِدْمَتِهَا وَمَاجَرَتْ بِهِ عَادَةُ الأَزْوَاجِ . وَكَذَلَكَ فَإِنَّ العُقُوْدَ المُطْلَقَةَ إِنَّمَا تُنَزَّلُ عَلَى العُرْفِ ، والعُرْفُ خِدْمَةُ الزَّوْجَةِ وَقِيَامِهَا بِمَصَالِحِ البَيْتِ .
القَوْلُ الثَّالِثُ : ذَهَبَ بَعْضُ العُلَمَاءِكَابْنِ القَيِّمِ إِلى أَنَّ خِدْمَةَ الزَّوْجَةِ تَخْتَلِفُ مِنْ بَيْتٍ إِلَى بَيْتٍ بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ مِثْلُهَا لايَخْدِمُ فِي البُيُوْتِ فَإِنَّهَا لاتَخْدِمُ ، وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ بَيْنَ الأَدِلَّةِ .
"تَحْرِيْرُ مَحَلِّ النِّزَاعِ "
الرَّدُ عَلَى أَصْحَابِ القَوْلِ الأَوَّلِ ،الَّذِيْنَ قَالُوْا إِنَّ خَدْمَةَ فَاطِمَةَ وَأَسْمَاءَ كَانَ تَبَرُّعَاً وَإِحْسَانَاً ، وَهَذَا يَرُدُّهُ أَنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ تَشْتَكَي مَاتَلْقَى مِنَ الخِدْمَةِ ، فَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ المُصْطَفَى لِعَليٍّ : لا خِدْمَةَ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا هَيَ عَلَيْكَ وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لايُحَابِي فِي الحُكْمِ أَحَدَاً ، وَلَمَّا رَأَى أَسْمَاءَ وَالعَلَفُ عَلَى رَأْسِهَا ، وَالزُّبَيْرُ مَعَهُ لَمْ يَقُلْ لَهُ : لاخِدْمَةَ عَلَيْهَا وَأَنَّ هَذَا ظُلْمٌ لَهَا ، بَلْ أَقَرَّهُ عَلَى اِسْتِخْدَامِهَا ، وَأَقرَّ سَائِرَ أَصْحَابِهِ عَلَى اِسْتِخْدَامِ أَزْوَاجِهِم مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ مِنْهُنَّ الكَارِهةُ وَالرَّاضِيَةُ ، وَهَذَا أَمْرٌ لارَيْبَ فِيْهِ ، وَهَذِهِ فاَطِمَةُ أَشْرَفُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ كَانَتْ تَخْدِمُ زَوْجَهَا ، وَجَاءَتْ إِلَى أَبِيْهَا تَشْكُوْ إِلَيْهِ الخِدْمَةَ فَلَمْ يُشْكِهَا، وَقَدْ سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيْثِ عَمْرِو بْنِ الأَحْوَصِ فِي بَابِ الرَّضَاعِ أَنَّهُ قَالَ : اِتْقُوْا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ عَوَانٌ عَنْدَكُم ، وَالعَانِيُّ : هُوَ الأَسِيْرُ وَمَرْتَبَةُ الأَسِيْرِ خِدْمَةُ مَنْ هَوَ تَحْتَ يَدِهِ ، وَلارَيْبَ أَنَّ النَّكَاحَ نَوْعٌ مِنَ الرِّقِ ،كَمَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ : النَّكَاحُ رِقٌ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُم عِنْدَ مَنْ يُرِقُّ كَرِيْمَتَهُ ، وَلايَخْفَى عَلَى المُنْصِفِ الرَّاجِحُ مِنَ المَذَاهِبِ وَالأَقْوَى مِنَ الأَدِلَّةِ . واللهُ أَعَلَمُ .
كُتِبَ فِي الحَادِيَةَ عَشْرَةَ مَسَاءً وَسَبْعٍ وثَلاثِينَ دَقِيْقَةً مِنْ لَيْلَةِ السَّبْتِ المُوَافِقَةِ لِثَّامِنَ عشرَ مِنْ رَبِيْعٍ الأَوَّلِ لعَامِ ثَلاثَةٍ وثَلاثِيْنَ وَأَرْبِعِ مِئَةٍ وَأَلْفٍ مِنْ الهِجْـَرةِ .
ودي واحترامي
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، حياك الله .
يجب التفريق بين حقوق المرأة من ناحية زوجها ، وبين حقوقها كإنسانة من عملٍ ونحوهِ … إلخ .
وموضوعي يتحدث عن ما يجب عليها من خدمة زوجها بغض النظر عن ما سواه ، وليس من العيب لمن كان ميسور الحال أن يحضر خادمة لزوجته ، ولكن أردت من هذا الموضوع الرَّد على من نفى ذلك عنها ، شكرا لك .