تخطى إلى المحتوى
الرئيسية » الآعتكاف في العشر الآواخر من رمضان

الآعتكاف في العشر الآواخر من رمضان

  • بواسطة

الاعتكاف :
لزوم المسجد لطاعة الله ، من مسلم عاقل ولو مميزاً ، طاهراً مما يوجب الغسل ، في مسجد ولو ساعة من ليل أو نهار .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان تحرياً لليلة القدر ، وكان اعتكافه صلى الله عليه وسلم قطعاً لأشغاله ، وتفريغاً لباله ، وتخلياً لمناجاة ربه ، وذكره ودعائه ، وكان يحتجز حصيراً يتخلى فيها عن الناس فلا يخالطهم ولا يشتغل بهم ، ولهذا ذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن المعتكف لا يستحب له مخالطة الناس ، حتى ول لتعليم علم وإقراء قرآن ، بل الأفضل له الانفراد بنفسه ، والتخلي بمناجاة ربه ، وهذا الاعتكاف هو الخلوة الشرعية ، ولا يكون إلا في المساجد ، وخصوصاً الجوامع التي تقام فيها الجمعة ، فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد . وكما قيل الاعتكاف : قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بالخالق .

حكمه :
سنة في كل وقت ، وسنة مؤكدة في رمضان ، وآكده العشر الأواخر منه ، وهو واجب على الناذر ، فلو نذر شخص أن يعتكف وجب عليه الوفاء بنذره ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نذر أن يطيع الله فليطعه " [ أخرجه البخاري ] ، وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " يا رسول الله : إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال : أوف بنذرك " [ متفق عليه ] ، وقد اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه ، واعتكف أزواجه من بعده .
فمن نذر أن يعتكف في المسجد الحرام فيجب عليه الوفاء بنذره وعليه أن يعتكف في المسجد الحرام ، ومن نذر أن يعتكف في أي مسجد فكذلك يجب عليه الوفاء بنذره ، لكن يجوز له أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة ( المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ) لأنها أفضل المساجد ، ومن نذر أن يعتكف في المسجد الأقصى فهو بالخيار إن أراد أن يعتكف فيه وإلا ففي أي المسجدين اعتكف ، لأنها أفضل منه ، ومن نذر أن يعتكف في المسجد النبوي فله أن يعتكف فيه أو يعتكف في المسجد الحرام ، ولا يعتكف في المسجد الأقصى ، قال صلى الله عليه وسلم : " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " [ متفق عليه ] .
ولا يجوز للمرأة أن تعتكف في بيتها لأنه ليس محلاً للاعتكاف ، بل الاعتكاف في المسجد ، لأنها سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وكذلك اعتكف أزواجه من بعده في المسجد ، ولو كان الاعتكاف في البيت جائزاً لاعتكفن في بيوتهن لأنها خير لهن .

أدلة مشروعيته :
قال تعالى : " ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " [ البقرة 187 ] ، وقال تعالى : " أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين " [ البقرة 125 ] ، وفي حديث ابن عمر وأنس وعائشة رضي الله عنهم : " أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأوسط من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأواخر ، ولا زمه حتى توفاه الله تعالى " ثم اعتكف ازواجه من بعده " [ متفق عليه ] ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول من رمضان ، ثم اعتكف العشر الأوسط في قبة تركية على سدتها حصير ، قال : فأخذ الحصير بيده فنحاها في ناحية القبة ثم أطلع رأسه فكلم الناس : فدنوا منه فقال : " إني اعتكفت العشر الأول ألتمس هذه الليلة ، ثم اعتكفت العشر الأوسط ، ثم أتيت فقيل لي : إنها في العشر الأواخر ، فمن أحب منكم أن يعتكف فليعتكف ، فاعتكف الناس معه ، قال : وإني أريتها ليلة وتر وأني أسجد صبيحتها في طين وماء فأصبح من ليلة إحدى وعشرين وقد قام إلي الصبح فمطرت السماء فوكف المسجد فأبصرت الطين ظاهرا فخرج حين فرغ من صلاة الصبح وجبينه وروثة كلاهما فيهما الطين ظاهرا وإذا هي ليلة إحدى وعشرين من العشر الأواخر " [ أخرجه مسلم وابن خزيمة وابن حبان ] .
قال الزهري : عجباً من الناس ، كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشيء ويتركه ، وما ترك الاعتكاف حتى قبض .
والاعتكاف معروفاً قبل الرسالة المحمدية ، وليس خاصاً بهذه الأمة ، ودليل ذلك قوله تعالى : " وعهدنا إلى إبرهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين " .
والأفضل أن يكون الاعتكاف بصوم ، فيعتكف المعتكف وهو صائم ، وليس ذلك واجباً ، بل هذا من باب الأفضلية . فأما حديث عائشة رضي الله عنها : " لا اعتكاف إلا بصوم " [ فهو حديث ضعيف ، أخرجه الدار قطني والبيهقي ] ، ولكن الصحيح في ذلك ما قاله ابن عباس رضي الله عنهما : " ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه " [ أخرجه الدار قطني والبيهقي ورجحا وقفه على ابن عباس ، وأخرجه الحاكم مرفوعاً ، وقال صحيح الإسناد 2/80 ] .

قدر الاعتكاف :
فعند الحنابلة أقل الاعتكاف يكفي فيه ساعة ، وعند الحنفية مدة يسيرة غير محددة ، وعند المالكية يوم وليلة ، وعند الشافعية قدر أكبر من قدر الطمأنينة في الركوع ونحوه . فجمهور العلماء : يُكتفى بمدة يسيرة ولو لحظة ، ولم يخالف إلا المالكية كما سبق قولهم .

مكان الاعتكاف :
هو المساجد التي تقام فيها الجماعة ، وأفضل ذلك المسجد التي تقام فيه الجمعة ، حتى لا يحتاج المعتكف إلى الخروج من معتكفه ، ودليل ذلك قوله تعالى : " وأنتم عاكفون في المساجد " ، وقوله تعالى : " أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود " ، فعلم بالضرورة من الآيتين أن الاعتكاف لا يكون إلا في المساجد ، أما الاعتكاف في البيوت فلا يجوز ولو للنساء ، بل الثابت عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنهن اعتكفن في المسجد بعد موته صلى الله عليه وسلم ، ولو كان جائزاً الاعتكاف في البيوت لاعتكفن في بيوتهن لأنها خير لهن . ويكون اعتكاف النساء في المصلى الخاص بهن ، البعيد عن مصلى الرجال ، حتى لا يحصل الاختلاط بينهم . [ ولمزيد الفائدة يراجع مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 15/442 ] .
والغرف التي داخل المسجد وأبوابها مشرعة عليه ، فهي تابعة للمسجد ولها حكمه ، فيجوز الاعتكاف فيها . أما إن كانت خارج المسجد فليست من المسجد وإن كانت أبوابها داخل المسجد [ فتاوى اللجنة الدائمة 10/412 ] .

قطع الاعتكاف :
قال الترمذي رحمه الله :
اختلف أهل العلم في المعتكف إذا قطع اعتكافه قبل أن يتمه على ما نوى ، فقال بعض أهل العلم : إذا نقض اعتكافه وجب عليه القضاء واحتجوا بالحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من اعتكافه فاعتكف عشراً من شوال ، وهو قول مالك ، وقال بعضهم : إن لم يكن عليه نذر اعتكاف أو شيء أوجبه على نفسه ، وكان متطوعاً فخرج فليس عليه أن يقضي ، إلا أن يحب ذلك اختياراً منه ، ولا يجب ذلك عليه وهو قول الشافعي ، قال الشافعي : فكل عمل لك أن لا تدخل فيه فإذا دخلت فيه فخرجت منه فليس عليك أن تقضي إلا الحج والعمرة " [ صحيح سنن الترمذي ] .
والصواب في ذلك ما قاله الشافعي رحمه الله من أن المتطوع أمير نفسه فهو بالخيار إن شاء أمضى اعتكافه ، وإن شاء ترك ولا إثم عليه . والأدلة الصحيحة الصريحة تدل على هذا القول ، فعن عائشة رضي الله عنها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان ، فاستأذنته عائشة فأذن لها ، وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ، ففعلت فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمرت ببناء فبني لها ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى انصرف إلى بنائه فبصر بالأبنية فقال : ما هذا ؟ قالوا : بناء عائشة وحفصة وزينب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " آلبر أردن بهذا ؟ ما أنا بمعتكف " فرجع فلما أفطر اعتكف عشراً من شوال " [ أخرجه البخاري ومسلم ] قال بعض العلماء فيه دليل على أنه يجوز للمعتكف أن يقطع اعتكافه ما لم يكن نذراً أو أوجبه على نفسه .

دخول المُعْتَكِف :
بالنسبة للاعتكاف سنة في كل وقت ، ولو للحظة ، فيدخل المعتكف إلى المسجد في أي وقت شاء ويخرج في أي وقت شاء ، أما بالنسبة للاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فيدخل المعتكف إلى المسجد بعد صلاة الصبح ويخرج بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان وهو قول الإمام أحمد ، وسيأتي الدليل على صحة هذا القول في حديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري وغيره ، وقيل : يدخل قبل غروب شمس يوم العشرين من رمضان ، ويخرج بعد غروب شمس ليلة العيد وهو قول مالك ابن أنس وسفيان الثوري . فدخوله قبل غروب الشمس ليتحقق كمال الليلة ، وخروجه بعد الغروب ليتحقق كمال النهار .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.