مع أسرهم بعيدًا عن أوطانهم، وهي بالطبع ليست قاصرة على من يعيشون في دول
أجنبية، ولكنها تنسحب أيضا -ولكن بدرجة أقل- على من يعيشون في دول عربية شقيقة.
والمشكلة لا نختصرها في اللهجة فقط، ولكن في تلك المفردات التي تتطور سريعا
ويلتقطها الصغار ويتفاعلون معها من خلال الاحتكاك والمعايشة يوما بيوم؛ الأمر الذي
يفتقده الأطفال المغتربون شيئا فشيئا، فتحدث الفجوة، وتزداد الهوة، وينفصل الصغير
رويدا رويدا عن وطنه، بل ويصبح أسيرا لمشاعر متضاربة ومتناقضة، ويظل سؤال
الانتماء حائرًا.. فهو يحب وطنه ولكنه أيضا يحب البلد الذي تربى فيه، وتعلم في
مدارسه، وخبر دروبه وشوارعه ومتنزهاته.
فالاندماج التي يعيشها الأطفال في المجتمعات الأخرى غالبا ما تتحول لتمثل أزمة حقيقية
في نفوس بعضهم إذا ما قرر ذووهم العودة مجددا إلى الوطن؛ وهو ما حدث بالفعل مع
أحد الأطفال الذي تحول من طالب متفوق إلى طالب متعثر عندما عاد إلى بلده والتحق
بمدارسها، فوجد صعوبة بالغة في الاندماج مع زملائه؛ مما اضطر الأسرة إلى إبقائه في
المنزل وذهابه للمدرسة في أثناء تأدية الامتحانات فقط، ليس ذلك فحسب، بل تطلب الأمر
تدخل الطبيب النفسي لمعالجة حالة الانطوائية والانسحاب التي صار عليها طفل الثانية
عشرة.
روشتة العلاج
مستشارة الصحة النفسية
– تضع ط±ظˆط´طھط© لعلاج هذه المشكلة تتضمن جملة من الإجراءات:
أولا: غرس الانتماء في نفس الطفل خاصة في السنوات الخمس الأولى من العمر، وهي
المرحلة العمرية التي يتكون فيها أساس الشخصية، فيتم تعريفه ببلده الأصلي وهويته
ولغته والتأكيد على ذلك، حتى إذا التحق بالمدرسة ودخلت عليه التأثيرات الخارجية من
زملائه والمجتمع المدرسي يكون بمأمن عن حالة الاضطراب التي يعيشها بعض الأطفال
عندما يلتحقون بالمدرسة، ويعرفون أنهم ليسوا مواطني البلد الذي يعيشون فيه ولكنهم
مقيمون فقط.
ثانيا: تنبيه الآباء أن الأبناء الأكبر سنا أكثر وعيا، وفي مرحلة المراهقة يكون الانتماء
للبلد الأصلي، وقد لا يوافق الابن على الالتحاق بمدرسة ما إلا إذا وجد من بين زملائه
من ينتمون لنفس جنسيته، فيجتمع مع رفاقه من نفس بلده، ويعيش نفس نمط الحياة، ولا
يغير من لهجته، بخلاف الأطفال في السن المبكرة والذين يكون انتماؤهم للبلد الذي
يقيمون فيه، ولكن هذا لا يعني إغفال ربطهم الدائم بالوطن.
ثالثا: إذا كانت الإقامة في دولة أجنبية فلابد أن تحرص الأسرة على غرس الانتماء الديني
لدى الأبناء، والالتزام بالصلاة والدعاء، والمحافظة على الأذكار الصباحية والمسائية،
بالإضافة إلى تدريس الدين الإسلامي لهم داخل المنزل؛ لأنهم في المجتمعات الغربية
ينساقون وراء القيم المخالفة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وفى ظل القوانين الغربية
يصبح للأبناء الحق في استدعاء الشرطة لوالديهم إذا ما تعرضوا لهم أو عاقبوهم؛ وهو ما
جعل الآباء يخافون الأبناء، وفتح الباب أمام سلسلة من المشكلات التربوية التي تهدد
الأسرة المغتربة إذا لم تحسن غرس القيم منذ البداية، والنتيجة الحتمية هي ضياع هوية
هؤلاء الأبناء.
رابعًا: غرس الانتماء بطرق غير مباشرة من خلال الحرص على اصطحاب الأبناء
لزيارة المتاحف والمعالم السياحية والتاريخية عند العودة للوطن في فترة الإجازة
السنوية، واقتناء الكتب والقصص التي تحكي عن البلد الأم وترغيب الأبناء في قراءتها
بشتى الطرق.
خامسًا: تلبية حاجات الأبناء الوجدانية، وغمرهم بمشاعر الحب؛ لأنهم كما يحتاجون
للطعام والمأكل والملبس، فهم يحتاجون أيضا للحب ومشاعر الحنان والانتماء للأسرة في
المقام الأول؛ لأنها الحضن الدافئ الذي تترعرع بين جوانحه مشاعر الأمان والانتماء،
وهي البوصلة التي يهتدي من خلالها الأطفال، وإذا شب الطفل على حب والديه وأسرته
وانتمائه لهم فهو ينشأ بلا شك وفي قلبه مشاعر حب فياضة لأهله ومجتمعه ووطنه.