لقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بأمر في غاية الأهمية في الحياة الدنيا وهو أمر الزواج حتى تتكاثر الأمة الإسلامية بالشكل الصحيح، والطريقة السليمة بعيداً عما حرم الله، وقد قال تعالى في محكم كتابه الكريم: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ( 21 ) {الروم: 21} وإضافة إلى ذلك ما جاء في السنة المطهرة الشريفة عن الرسول { حيث قال: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحفظ للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" (1) وكما هو واضح من خلال الآية والحديث السابقين أهمية الزواج بالنسبة للشاب المسلم؛ ولكننا مع الأسف نسمع في هذه الأيام كلمة الطلاق بين المرء وزوجه هي المسيطرة على الأجواء وتتردد كثيراً في مجتمعنا المسلم، ونسمع كثيراً بانهيار البيوت بسبب هذه الكلمة، وأنتاب الشباب الخوف من الزواج والإقدام عليه لسماعهم عن حالات الفشل والانفصال في الحياة الزوجية.
وبالنظر إلى الأسباب المؤدية إلى الطلاق نجدها كثيرة ومختلفة، وسيكون حديثي لمعالجة القضية من باب التذكير والتنبيه؛ لقول الله تعالى: وذكر فإن الذكرى" تنفع المؤمنين 55 {الذاريات: 55} وإيجاد عائلة تنعم بالطمأنينة والاستقرار علماً بأنه ليست هذه هي الأسباب فقط لهذه المشكلة وإنما هي جزء منها، وهي كما يلي:
(1) قضاء الوقت خارج المنزل :
يقوم بعض الأزواج بقضاء أغلب الوقت خارج منزله بين الأصدقاء في المقاهي، والاستراحات، وقضاء الوقت فيما هو غير مفيد من لعب الورق وما شابه ذلك، وترك مسؤولية المنزل على الزوجة، وجعل منزل الزوجية فندقاً حينما يحين موعد النوم فقط بدون مراعاة لحق الزوجة والإحساس بوجودها في المنزل، وعدم القدرة على قضاء حاجاتها ومستلزمات المنزل، وتربية الأطفال؛ مما يؤدي إلى وجود فراغ كبير في حياتها العاطفية، علماً بأنه يجب على الزوج أن يضع اهتمامه الأول والأخير لبيته وعائلته؛ لأن الرسول { قال في الحديث: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" (2) ، كما يجب عليه أن يغير نمط حياته بين الحرية قبل الزواج وارتباطه الحالي بمسؤوليات وواجبات عائلية.
(2) فرض الرأي وعدم المشاورة:
يقوم الزوج بفرض سيطرته وسيادته على الزوجة بأسلوب تعسفي يخلو من الحكمة أحياناً من خلال عدم مناقشته إذا أصدر أمراً، وليس للزوجة الأحقية بإعطاء الرأي؛ لأنه لا أهمية لرأيها في الحياة الزوجية، واستخدام كلمة (لا) في أغلب الأحيان، وتهميش دورها في الحياة الزوجية مع مرور الأيام، مع أنه في الأصل يجب وضع الاعتبار لشريكة حياته في جميع الأمور التي يمكن أن تواجههما في الحياة؛ حتى يتمكنا من التغلب عليها معاً، ومن الأحاديث الدالة على ذلك قوله {: "استوصوا بالنساء خيراً فإن المرأة خلقت من ضلع" (3) .
(3) اختيار أسلوب التأديب المناسب :
يقوم أغلبية الأزواج بتفسير معنى الآية الكريمة: الرجال قوامون على النساء 34 {النساء: 34} بمفهوم خاطئ حيث يستند بعضهم على هذه الآية بوجود الأذن الصريح بضرب الزوجة من أجل التقويم والتعديل عند صدور الخطأ منها مع عدم تقييم هذا الخطأ بالشكل الصحيح، وهل هو عظيم أم صغير، متناسياً قول الله تعالي: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان 229 {البقرة: 229} حيث يجب أن تكون الحياة الزوجية مبنيةً على الود والتفاهم، وبذلك نلاحظ أن التفسير السابق للآية الأولى خاطيء عند بعض الأشخاص، ومردود على صاحبه؛ لأن الدين الحنيف قد وضع بعض الحلول قبل اللجوء إلى الضرب، مثل: الهجر في المضاجع من باب التأديب، أواستخدام الضرب غير المبرح؛ كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع وتضربوهن ضرباً غير مبرح"(4) وحتى لو افترضنا جدلاً أنه استدعى الأمر اللجوء إلى الضرب فإن الضرب لا يكون من أجل سبب بسيط كما يفعل بعض الأزواج هذه الأيام، كما يجب أن يراعى في الضرب أن يكون خفيفاً غير مؤلم، وكذلك أن لا يكون موجهاً إلى الأجزاء الحساسة من الجسم.
(4) غياب كلمات المودة والمحبة :
يلاحظ على بعض الرجال عدم اهتمامه بالكلمات التي تخرج من فمه؛ حيث إنها خالية من كلمات المحبة والمودة التي بين الزوج وزوجته، وقد نجد بعضهم تطاول في الأمر باستخدام الألفاظ السيئة والبذئية مع زوجته، وإظهار عدم احترامها، وإيضاح أن مكانتها لا تتجاوز الاهتمام بالمأكل والمشرب ورعاية الأطفال فقط؛ مما يؤدي مع مرور الأيام إلى الإحباط في نفس تلك الزوجة لهذه الحياة الخالية من طعم المحبة والمودة، ولو عدنا لسؤال الزوج عن مثل هذه التصرفات لوجدنا الإجابة أن تعامله مع زوجته باحترام وإظهار المحبة والمودة لها يمكن أن يصوره إنساناً ضعيف الشخصية أمام زوجته، مما يجعلها تحاول التمرد والعصيان عليه، وهذا التصرف هو بعكس ما أمرنا به رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه عندما قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" (5) .
هذه بعض الأخطاء التي تقع من الزوج في حق زوجته، كما أن هناك بعض الأخطاء التي تقع من الزوجة في حق زوجها وهي كما يلي:
(1) تذمر الزوجة من العيش مع عائلة زوجها :
قد يكون من حق الزوجة العيش في مملكتها الخاصة، وأن يكون لها منزلها المستقل بها، تقوم بتنظيمه بحسب ما تراه مناسباً؛ ولكن في بعض الأحيان قد تضطر الظروف الزوجة للعيش مع أهل زوجها في منزل واحد، فنلاحظ أن بعض الزوجات لا تقدم يد الخدمة والمساعدة في المنزل، أو قد لا تحترم والدة الزوج لا سمح الله، وخصوصاً إذا كانت كبيرة في السن؛ مما يؤدي إلى وجود المشاكل في المنزل، والتنافر بين الساكنين فيه، مما يضطر الزوج إلى الانتقال والبحث عن منزل آخر لتفادي المشاكل الواقعة، وهو في قرارة نفسه متأكد أن الذي دفعه لمثل هذا التصرف هو الزوجة وطريقة تعاملها، مما قد يفتح باباً جديداً من المشاكل بين الزوج وزوجته.
(2) الإثقال بالطلبات المادية :
تنظر بعض الزوجات إلى زوجها على أنه البئر التي لا تنضب من الناحية المادية، وأنه يستطيع تحقيق جميع ما تريده عند طلبها بشراء أحدث الماركات، أو تغيير الملابس بحسب الموضة والصرعات الجديدة، وتجديد الأكسسوارات، أو تأثيث البيت بأفخم الأثاث؛ لأنها شاهدت ذلك عند أحد المعارف أو الأصدقاء بدون مراعاة حدود الدخل للزوج؛ مما يضطره لاقتراض المبالغ الطائلة، وتراكم الديون عليه من أجل إرضاء هذه الزوجة، وهذا يعكر صفو حياته، وينغص عليه، وكان من الواجب على الزوجة فعل عكس ذلك لضمان حياة زوجية سعيدة داخل مملكتها الصغيرة، وعدم تحميل الزوج فوق طاقته من الأعباء المادية من أجل المفاخرة بين الآخرين على حساب حياتها الزوجية.
(3) إكثار الخروج من المنزل :
قد يكون الخروج من المنزل لزيارة الأقارب والأصدقاء للترفيه عن النفس أمراً ضرورياً في الحياة الزوجية؛ ولكننا نجد أن بعض الزوجات تنظر إلى زوجها على أنه السائق الخاص لتلبية طلباتها بالذهاب إلى الأسواق، أو حضور المناسبات عند الأقارب والأصدقاء، ويكون ذلك من أولى الاهتمامات في الحياة، وإذا ما حصل اعتراض من الزوج قامت بالتذمر، وذكر مدى تعاون بعض الأزواج مع زوجاتهم، ومطالبته بأن يكون مثل هؤلاء، متجاهلة أن لكل طباعه وسلوكه، وكان من الأولى على الزوجة أن تهتم بقضاء الوقت مع زوجها بدلاً من قضاء الوقت بين الأسواق والزيارات.
هذا فيما يتعلق ببعض الأخطاء التي تقع من الأزواج والزوجات؛ ولكن هناك خطأ يشترك فيه الجميع وقد حرصت على إيضاحه أيضاً وهو:
عدم تقييم ومعرفة الحياة الزوجية على الوجه الصحيح :
هنالك أمر يغفل عنه الجميع وهو وجود النظرة القاصرة عن الحياة الزوجية لدى الطرفين؛ حيث إن الشاب يرى أن الحياة الزوجية هي إشباع لغرائزه الجنسية بدون التفكير في المسؤولية الواقعة على عاتقه من تأمين المأوى والمأكل والمشرب وتربية الأطفال، وأما بالنسبة للفتاة فترى أن الحياة الزوجية هروب من المسؤولية الواقعة عليها في بيت أهلها من طبخ وتنظيف أو اهتمام بالأخوة، وأن المخرج الوحيد من هذه الأزمة هو الزواج، وهذا الغلط يشترك فيه الوالدان حيث يجب عليهما تعليم الشاب والفتاة جميع الأمور المتعلقة بالحياة الزوجية، والمسؤولية الملقاة على عاتق كل منهما حتى يستطيعان النهوض بحياتهما الزوجية والوصول بها إلى بر الأمان.
ودي واحترامي