وكما في الرياضة البدنية ، كذلك الحال في الرياضة العقلية أو الروحية أو النفسية ، فإنّ القوّة تزداد وتتكامل بالتمرين والممارسة ، وتضعف بالترك والإهمال لدرجة الضمور والتلاشي .
وهناك أيضاً ، الرياضة النفسية التي تركّز على تعويد الطاقات الكامنة في الجسد على تحمّل المشاق ، فلقد أودع الله سبحانه وتعالى في جسد كلّ واحد منّا طاقات خلاّقة وقوى مدخرة يحسنُ البعض تحريرها وتصريفها ويخفق آخرون .
فالقدرة الخارقة التي يتمتّع بها ممارس رياضة (اليوغا) في السيطرة على أفعال لا إرادية في الجسم ، مثل ضغط الدم ، ودقات القلب ، ومعدلات التنفّس ، وكمِّيّة السكر في الدم ، تعتبر اليوم علاجاً يعتمد مجموعة من الحركات الرشيقة للجسم ، مع التنفّس العميق والتأمّل العقلي الشديد والتركيز على هذه الحركات .
وتتكرّر هذه الحركات لمدّة ربع ساعة ، يجلس بعدها ممارس هذه الرياضة الذي ينطوي جسمه على قدرات كامنة ـ كما قلنا ـ لكنّه يهدف إلى مضاعفتها حتّى تتمكّن من علاج بعض الأمراض .
كما يمكن التحكّم في حرارة الجسم عن طريق التأمّل العميق المصحوب بترديد عبارات معينة ، كأن يوحي الذي يقف تحت دش الحمام وقد انقطع الماء الساخن عنه وبقي البارد ، أنّ ما ينزل عليه ماء ساخن أو ليس ببارد ، فيفرز جسده طاقة حرارية تتغلب على برودة الماء .
وبهذه الطريقة من الإيحاء أو التلقين الذاتي يمكن السيطرة على الكثير من الحالات النفسيّة والانفعاليّة والبدنيّة .
ففي المناطق المرتفعة من جبال الهملايا التي تكسوها الثلوج طوال السنة ، وتنخفض الحرارة إلى ما دون درجة التجمّد ، يعيش مجموعة من الأشـخاص الذين ينتمون إلى هضبة التبـت الصـينية ، والذين يملكون قدرات أشدّ غرابة من ممارسي (اليوغا) فهم يتحكّمون ببرودة يستحيل تحمّلها بالنسبة للانسان العادي ، ويتحكّمون في درجة حرارة أجسادهم لتصبح قادرة على تجفيف قطعة كبيرة مبلّلة من القماش .
ولهذا ما يشابهه في التربية الاسلاميّة ، فالصوم كرياضة بدنية وروحية يراد به تقوية مناعة الجسم ضدّ الرغبات الملحّة المذلّة ، ففي الحديث الشريف : «لا ينبغي أن تكون للمؤمن رغبة تذلّه» أي يسقط مهاناً في سبيل بلوغها أو نوالها .
كما يقوِّي الصّوم مناعة الأخلاق ضدّ المعاصي والمنكرات والأشياء المحرّمة قولاً وفِعلاً ، تلك التي تحوم حولها الشبهات .
بالإضافة إلى المناعة النفسيّة التي تجعلك قادراً على تحمّل المشاق والصعوبات والطوارئ والأشياء الخارجة عن العادة .
كما أنّ عمليّة تطهير وتنقية الأخلاق من الرذائل المهينة والمشينة ، وغرس الفضائل النفيسة والثمينة تحتاج إلى رياضة تعـتمد الإرادة والعزم والتصميم ، وهي نفس الأدوات التي يستخدمها لاعب رياضة (اليوغا) . فالحراثة تحتاج إلى جهد ، كما أنّ الزراعة تحتاج إلى جهد ، وكلاهما رياضة .
ولو تأمّلنا في إنسان مؤمن مقاوم صلب عنيد يعذّب من قبل جلاّد لا يحمل شيئاً من الرحمة ، لرأينا المؤمن المقاوم يتحمّل العذاب بصبر وجلد عجيبين ، والسبب في ذلك هو إيمانه بالله واحتسابه لما عنده ، ومعرفته أنّ الله يرى ويسمع ، وأ نّه سيجازيه الجزاء الأوفى ، الأمر الذي يهوّن عليه العذاب بل ربّما جعله يستعذبه : «هوّن ما نزل بي أ نّه بعين الله» .
وقد وردَ عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) : «ما ضعف بدن عمّا قويت عليه النيّة» . أي أنّ الإرادة الصلبة المستندة إلى إيمان واع عميق ، قادرة على تحطيم الأشواك والسدود والمصاعب والعراقيل والعقبات .
فزمام النفس بيدك أنت ، وبإمكانك أن تطوّعها وتطبعها بالطابع الذي تريده أنت ، لا بما تشتهي وتأمر هي . يقول الإمام علي (عليه السلام) : «إنّما هي نفسي أروّضها حتّى تأتي آمنة يوم الفزع الأكبر» .
فإذا أمسكت بالزمام جيِّداً ، وسرت بنفسك في دروب الخير والصلاح، ولم تتركها تسير بك في متاهات الذلّ والخنوع والاستسلام ، فإنّها تسلس لك القيادة ، وبذلك تصبح أقوى رياضيّ في العالم !