الزمن : الثانية عشر بعد منتصف الليل
أكتب إليك يا أمي من المطار الدولي ها أنا الآن في القاعة 23 بانتظار الباص الذي سوف يقلني إلى سلم الطائرة. الجو بارد ، وأحس بانتعاش لرؤيتي منظر الأطفال نائمين بأحضان أمهاتهم.
بعض الهدوء يعم القاعة مع صوت خفيف للمذياع يخبر المتأخرين بالتعجيل لتخليص إجراءاتهم. أما أنا أخرجت ورقتي ، وقلمي من سترتي ، وبدأت أكتب إليك مستغلا الوقت قبل موعد الإقلاع.
أتمنى أن تتفكري بكل حرف سوف أخطه لك ، وتتمعني ، وتسترجعي ذاكرتك إلى الوراء قبل 14 سنة عندما حملتي بي 9 أشهر من المعانة ، وبعدها خرجت إلى الدنيا ، و تركتيني بعد مضي شهرين لتكمل الشغالة الهندية كوماري الحمل الثقيل الذي أحسستي بأنه سوف يقتل أحلامك وطموحك الوظيفي وفوق ذالك تفقدين رشاقتك وتذبلين مثل الوردة التي يمنع عنها الماء.
نعم هذه هي الحقيقة التي دأبت كوماري عند بلوغي تلقيني هذه الحكاية وكأنها تقصد اصقالي ، أو تنشئتي على حبها وكرهك أنتي حتى لا يضيع تعبها سدى ولا أعلم ما الذي كان يدور في خلدها ؟ الذي أعلمه الآن بأن حبي لها حقيقي نابع من قلبي الذي عرفها منذ نشأتي.
في كل مرة تمنيت بأن تستقطعي من وقتك الثمين ولو بضع دقايق لكي أحكي لك ما يدور بخاطري وأشرح لكي ألمي لابتعادكي عني وابتعاد مشاعري لجهة أخرى وأبوح لكي بما أشعر به بعد أن سافرت كوماري إلى بلدها الهند … صدقيني أمي وانأ أناديك بهذا الاسم ولكن لا اشعر به ولا أشعر بأنه من قلبي ، ولكن هي الفطرة وحدها من لقنني هذه الكلمة . أما الإحساس الحقيقي لا يوجد لدي لكي أمنحك إياه فقد استهلكته شغالتنا ، وشربت منه و ارتوت ، ورحلت ، وتركت طفلها الذي لم تلده ولكن ربته على حبها. قد كانت تحكي لي كيف هي الأيام الأولى بعد مضي شهرين من ولادتي كيف تركتيني و عدتي إلى عملك مع أنه تم منحك إجازة ثلاثة أشهر، ولكن حبك لعملك أفقدك إحساسك بطفلك.
عند بلوغي سن الفهم كانت كوماري تحكي لي قصص بدايات معاناتي ، وصرخاتي ، وأنيني ، وتوجعي حيث كانت تسهر لراحتي وتجلب الدواء لي ، وتسقيني من الحليب المصنع ، و أنت يا من تدعين بأني طفلك بالاسم تغطين في سبات عميق لا تحبين سماع بكائي ،، يؤذيكي صراخي وينغص عليك نومك الهانئ .. فضلتي النوم المريح حتى تقومي إلى عملك نشيطه وقبل خروجك تمرين علي طابعة على خدي قبلة صغيرة و كأني دمية تتركينها صباحا ثم تعودين إليها بعد الظهر.
كم مرة بكيت و أنا ابن السنتين أجري خلفك صباحا و أنت ذاهبة إلى العمل ومساء و أنت ذاهبة إلى التسوق أتمنى بأن تأخذيني بحضنك ولكن لا حياة لمن تنادي فقد كانت كوماري الحضن الدافئ ، والقلب الحنون والبلسم الشافي.
كبرت ولم أجدك أمامي ، وجدتها هي تلاعبني تلاطفني تسقيني إذا عطشت تطعمني إذا جعت تبدل لي ملابسي إذا اتسخت تمسح دمعتي إذا بكيت تقوم على راحتي حتى عندما أمرض واحتاج إليكي لا أجدك أجدها هي من ينام بجانبي يعطيني الدواء ، ويقيس حرارتي ولا تنام إلا إذا أغمضت عيني.
مرت السنوات وكبر حبي لها وصغرتي أنتي بعيني ، و بدأت أعي كل ما حولي وافهم كل شيء ، وكبر تعلقي بها لأنها لم تفارقني منذ اليوم الأول لي بالمدرسة كانت تعد لي الإفطار ، وتنتظرني عند موقف الباص لكي تتأكد من ركوبي الباص سالما ، ولا تكتفي بذالك إنما تلوح بيدها إلى أن يفارق الباص ناظرها و أنت بالجانب الآخر تضعين المساحيق ، وتتزينين للخروج للعمل ولا تكلفين نفسك بالسؤال عني وعند عودتي من المدرسة أجدها تنتظرني عند باب البيت تحمل حقيبتي عني ، وتغير ملابسي وتجهز لي الغداء و أنت يا من تدعين أمي لم أستطع أن أتذكرك ولو بصورة في مخيلتي أو موقف يشفع لكي اليوم فها أنا قد كبرت وبلغت و الآن أحمل حقائبي معلنا حسم الصراع الذي يدور في داخلي منذ اليوم الأول لسفر شغالتنا كوماري ، وإلى اليوم
لم أعد أستطيع الجلوس فقد ضاقت الدنيا علي بما رحبت وبلغت من الوجع و الألم والاشتياق مبلغ لا أريد بأن أؤذي احد به فأني أحس بأن رأسي سوف ينفجر ومثل ما تركتموني أنتي و أبي وأنا طفل صغير ما الذي يضيركم و أنا شاب يافع ابن الرابعة عشر أستطيع اختيار حياتي وما أريد.
وداعا أماه كم تمنيت بأن تخرج هذه الكلمة من قلبي حتى و أنا أودعك الوداع الأخير، ولكن قتلتي كل شي جميل كل إحساس ومشاعر للأم فيني .. ذبحتني من الوريد إلى الوريد هذا ما جنيتي و جنى أبي
اعذريني الآن فقد جاء الباص الذي يقلنا إلى سلم الطائرة المتجهة إلى حيث أمي تعيش لأعيش معها بقية عمري ، وصدقيني نصيحة مني لا تحاولون البحث عني أو إرغامي على العودة فإني وإن عدت أعود جثة هامدة لا فائدة منه نصيحتي إليكم أنتي و أبي إذا أنجبتم ابنا آخر اتخذوني درس لبقية حياتكم.
قصة حقيقيه
(من قصاصة ورق وجدت باحد الكراسي في المطار )
وماراح اخلي شغاله تلمسهم ياااااارب
الله يكون بعونك ما كان العبد في عون أخيه