وكان يعيش في هذه البلدة الصغيرة تاجر أقمشة ظالم يُدعى أبو الحَكَم الذي جمع ثروته من المال الحرام واستغلاله للطبقة الفقيرة بطرق رخيصة كإغراقهم في الديون ثم الاستيلاء على أراضيهم ليزداد ثراءً وجاهاً ويزداد الفقراء بؤساً وشقاءً .
أما والي البلدة فقد كان شريكاً لـه في التجارة ، ويتقاضى منه أرباحاًً مقابل غض النظر عن ظلمه لعامة الناس وخاصة الفقراء منهم .
وفي هذه البلدة الصغيرة كان يعيش بالقرب من أبي الحكم صياد فقير يحب الخير للناس ويعيش مع أسرته الصغيرة المكونة من ثلاثة أولاد وأمهم في بيت متواضع ، ومع ذلك فقد كان الصياد الذي يُدعى أبو الطيب سعيداً في حياته راضياً بما قسمه الله له من رزق .
وكان الصياد يعتمد في عمله على قارب صغير يملكه ، وبواسطة هذا القارب يوفر أحياناً قوت عائلته .
وكان التاجر المستبد أبو الحكم قد عرض على جاره الصياد أن يبيعه بيته من أجل الحصول على أرض البيت ليوسِّع فيها تجارته ، إلا أنَّ أبا الطيب رفض لأن البيت يشكل المأوى الوحيد له ولعائلته.
وفي إحدى الأيام التقى التاجر مع الصياد فوجد التاجر الصياد سعيداً فغضب التاجر غضباً شديداً وقال للصياد (يا لَكَ من جار مزعج ، فعلى الرغم من فقرك إلا أنك دائم السعادة ، لكن هذا الأمر لا يعنيني في شئ والذي يهمني هو بيتك فهل وافقت على بيعه لي) فأجاب الصياد بالرفض القاطع على الرغم من أنَّ أبا الحَكَم قد أغراه بمزيد من المال . هنا هدّد التاجر الصياد إن لم يوافق فإنه سوف يرسل عماله ليحطموا قاربه وبيته غداً.
وعاد الصياد إلى بيته حزيناً مهموماً وشكى همه لأولاده وزوجته ، فهدّأ أولاده من روعه بقولهم لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
وهكذا ذهب الأب إلى النوم وهو خائف من الغد ، وفي هذه الليلة لم يستطع الصياد النوم فنهض مبكراًً وصلى صلاة الفجر وتوجه إلى أولاده يسألهم عن حوائجهم فطلب ابنه الصغير محمد (كنافة ) فأجاب الأب سوف أطلب من أمكم عمل الكنافة اليوم ولكني أحتاج إلى السلطانية كي أملأ فيها السمن لزوم حلوى الكنافة . فناول محمد أباه السلطانية وقال له لا تنسَ وعدك يا أبي . فأجاب الأب : إن شاء الله . وذهب الصياد إلى قاربه حاملاً السلطانية ولكن يا ليته لم ير ما رأى فقد وجد قاربه يحترق ويتناثر هنا وهناك ، فصاح أبو الطيب يا ويلي لقد قُضي عليّ وعلى أسرتي فمن لهم من معيل بعدي ؟
وأخذ الصياد يولول ويصيح لا يعرف أين يذهب ؟ فعودته إلى المنزل تعني عدم إحضار السمن الذي وعد به ابنه الصغير وكما أن الصدمة ستكون شديدة عليهم إذا عرفوا بالأمر ، وأن مصدر الرزق الوحيد ولىّ من غير رجعة.
وسار الصياد من غير هدف حتى قادته قدماه إلى سفينة كبيرة قد أوشكت على الإبحار.
فطلب الصياد من قائد السفينة السفر معهم ، وفعلاً صعد الصياد إلى السفينة ولم يكن معه سوى السلطانية التي أحضرها معه من البيت لا يعرف إلى أين هو ذاهب وماذا سيفعل في هذا الزمن الغادر به وبعائلته. وسارت السفينة مسيرة يومين فيما أبو الطيب يبذل كل جهده في العمل الدؤوب داخل السفينة سواء في تحضير الطعام أو مساعدة العمال في أعمال أخرى .
وفجأة هبّت ريح عاصفة أطاحت بكل من في السفينة فقضى جمعيهم غرقاً.
أما أبو الطيب فقد تعلق بلوح خشبي من بقايا السفينة وحملته الأمواج إلى شاطئ جزيرة.
فنام فاقداً وعيه وعندما أفاق كان قد أحاط به مجموعة من الرجال غريبي الأطوار ويحملون الحراب الطويلة ويصوبونها باتجاهه.
ثم حملوه إلى حاكم الجزيرة الذي سأله بدوره من أنت وماذا تريد؟ فأجاب أبو الطيب بخوف : صدقوني أنا لا أريد بكم الأذية كل ما هنالك أن السفينة التي كنت أستقلها غرقت في البحر فقال لـه حاكم الجزيرة ، وأين رفاقك؟ فقال أبو الطيب : ماتوا جميعاً ، وضاعت كل الممتلكات ولم يبقَ لي سوى هذه (ورفع السلطانية، هنا صاح السلطان في دهشة : تاج عظيم ..تاج عظيم . وصاح الأتباع من بعده : تاج عظيم .. تاج عظيم .
وهكذا نزل الصياد ضيفاً على الحاكم يلقى منهم كل حب واحترام وحسن معاملة ، وبعد ثلاثة أيام طلب الصياد من الحاكم أن يعيده إلى بلده فرفض الحاكم وقال للصياد : ولماذا تريد العودة فهل أسأنا معاملتك ، ردّ الصياد متلعثماً: لا يا سيدي الحاكم إنما لدي عائلة وهي بحاجة إلى رعايتي فنحن فقراء . فأجاب الحاكم : إذن لديك عائلة وهي بحاجة لك ، لا بأس من مغادرتك ولكن ليس قبل أن نكرمك ونجهِّز لك أمتعة السفر.
وبعد يومين جهّز الحاكم سفينة للصياد بعد أن ملأها بالمجوهرات والحلي الثمينة إضافة إلى ما لذَّ وطاب من الطعام . وهكذا عاد الصياد إلى بلده ، وبحب وعطف وحنان ضمّ الصياد أولاده إلى صدره وأخبرهم ما جرى لـه واعداً ابنه محمد أن يشتري لـه كل الحلوى التي في البلدة.
وهكذا أصبح الصياد رجلاً غنياً بفضل الله بعد فقر شديد، وشاع خبره في البلدة حتى وصل إلى التاجر الطماع الذي أبدى استغراباً وقال لسكان البلدة : سلطانية حقيرة تفعل كل ذلك ، أقسم لأذْهَبَنَّ إلى حاكم الجزيرة الغبي وأحصل منه على كل كنوز الجزيرة ، اشترى التاجر الطماع سفينة كبيرة وحمّلها بكل الهدايا الثمينة قاصداً خداع الحاكم الساذج.
وعندما وصل التاجر وعماله إلى الجزيرة اُلقي القبض عليهم وَمَثُلَ التاجر أمام الحاكم .فسأله الحاكم : هل أنت صديق أم عدو؟ فأجابه : بل صديق مُحَمّل بهدايا كثيرة تليق بالحاكم القوي .
نظر الحاكم إلى الهدايا بإعجاب وقال : ما أجمل هذه الهدايا ! إنها أروع ما شاهدت عيني . فأجاب التاجر : هذه العباءات المنقوشة والمطرزة لمولاي الحاكم ، وهذا الحرير لنسائكم ، وهذه الرماح القوية لحراسكم المخلصين ، فأجاب الحاكم : هذا رائع ، هذا مدهش أنا لا أعرف كيف أكافئك على كل هذه الهدايا ، ولا أجد بدّاً سوى أن أخلع عليك هذا ط§ظ„طھط§ط¬ وهو أعز ما أملك .
فأصابت الصدمة من التاجر مقتلاً ، وحمل السلطانية عائداً إلى بلده حاملاً مرارة الذل والانكسار لأنه حصد نتيجة الطمع والحسد وظلم الآخرين بغير حق.