الحاجة إلى جزء من الغفلة عن الموت
ومعرفة الإنسان بأنه لن يموت قبل أجله يدفعه إلى أن يبني لنفسه مجداً، يقول المتنبي : إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم والإنسان إذا كان يتوقع الحوادث ويخافها ويهابها فلن يصل إلى مقصوده، فسيموت قبل أوانه، فإذا كان يتوقع الموت فإنه يصيبه الهلع والفزع، فيموت قبل أن يموت حقاً، يموت كل يوم حتى يأتي اليوم الذي يموت فيه. ودع التوقع للحوادث إنها في الحي من قبل الممات ممات واجعل رجاءك دون يأسك جنة حتى تزول بيأسك الأوقات لولا مغالطة النفوس عقولها لم تصف للمتيقظين حياة فالإنسان أحياناً لابد له من أن يتغافل في أشياء تقع، قيل للإمام أحمد : إن فلاناً يقول: تسعة أعشار العقل في التغافل، فقال: أخطأ، بل العقل كله في التغافل. فثمة أشياء لو دقق فيها الإنسان فلن يمشي خطوتين في الحياة، ولكن الإنسان يأخذ بالأسباب الظاهرة ويتوكل على العلي الكبير ويمضي، ولن يقع إلا ما قدر الله، وما كان لك سيأتيك على ضعفك، وما لم يكن لك لن تناله بقوتك.
[color="rgb(255, 0, 255)"]حب المرء للدنيا وكراهيته الموت[/color]
وأما رحلة الروح فإنه سيأتي الحديث عن حياة البرزخ لينجم عن هذا كله الذي قلناه أن الموت حق لا مناص منه، ولكن الإنسان عند لحظات الموت وعند الشعور بخروج الروح يصيبه شيء من التشبث بالحياة والتعلق بها، ولذلك فإن الذين يعنون بالتحقيق في القضايا الجنائية التي يكون فيها انتحار يرون أحياناً -إن كان الحال يساعد- أن الميت قد حاول أن يرجع مرة أخرى عن قراره بالانتحار، حيث ترى بعض العلامات الدالة أمنياً على أن الميت قد حاول أن ينثني عن قراره؛ لأنه إذا شعر بخروج الروح يتشبث بالحياة ويصيبه شيء من الندم على صنيعه، ولكن يكون قد دخل في عالم الموت ولا يسعفه الوقت على أن يتراجع.
[color="rgb(255, 0, 255)"]الدنيا مزرعة للآخرة[/color]
نقول: إن الله جل وعلا جعل ط§ظ„ط¯ظ†ظٹط§ مزرعة للآخرة، قال الله تعالى عن عبده:" يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي "[الفجر:24]، ولكي لا يصيب إنسان ندم فإنه ما دام في دار العمل يسعى السعي الحثيث في الإكثار من الحسنات والاستغفار من السيئات حتى يلقى الله وهو راض عنه، والعرب تقول في كلامها: إن الندامة أربع: ندامة يوم، وندامة عام، وندامة عمر، وندامة لا تنقطع أبداً. أما ندامة اليوم فإنهم يقولون: إن الرجل يخرج وبإمكانه أن يتغدى في بيته على سنة العرب قديماً، حيث يتغدون بأكلة واحدة، فيقول: سأجد من يضيفني، أو سأجد صيداً، فيخرج ولا يتغدى، فإن لم يجد غداءاً أصابه ندم على أنه لم يتغدى في بيته، ولكن هذا الندم لا يستمر أكثر من يوم، فإذا عاد إلى بيته طعم وأكل فذهب الشيء الذي كان نادماً عليه. وأما ندم السنة فينطبق على المزارعين، فالزرع له إبان ووقت يزرع فيه، فإذا جاء مزارع ولم يزرع الزرع في وقته فإنه يندم؛ لأنه لن يستطيع أن يزرع تلك البذرة إلا في العام القادم في مثل تلك الأيام التي فرط فيها، فهذه ندامة سنة. وأما ندامة العمر فندامة رجل تزوج امرأة ولم يجدها موافقة له وليس بإمكانه تطليقها، فيبقى صابراً عليها العمر كله حتى يفرق بينهما الموت وهذه الثلاث كلها فيها جبر على قول العامة. وأما الندم الذي لا ينقطع أبداً فهو ندم المرء -عياذاً بالله- يوم القيامة على ما فرط في جنب الله، فهذا الذي لا ينفع فيه التحسر ولا ينفع فيه الصبر، كما قال تعالى عن أهل النار: "سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ "[إبراهيم:21]، والله تبارك وتعالى حذر من هذا وقال: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ )
[مريم:39-40]، فنقول: إن ط§ظ„ط¯ظ†ظٹط§ مزرعة للآخرة، فينبغي للمؤمن أن يحصد العمل في رمضان وفي غيره حتى يلقى الله جل وعلا وقد كثرت حسناته وخفت سيئاته وكان أقرب إلى الفلاح منه إلى الخسران.
( الرحيل عن ط§ظ„ط¯ظ†ظٹط§ ) جزء من محاضرة : ( سلسلة أشراط الساعة الكبرى – نزول عيسى ابن مريم وبداية التغير وخروج يأجوج ومأجوج ) للشيخ : ( صالح بن عواد المغامسي )
اللهم آتنا في الدنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النار
تسلمي