بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
سبحــــــان الله وبحمده سبحــــــان الله العظيم
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسملين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يوم يقوم الحساب
أول ما يقضى بين العباد
أول ما يحاسب عليه المرء في حقوق العباد: هي ط§ظ„ط®طµظˆظ…ط§طھ والدماء، فإذا تجاوز المرء الحساب وكان حسابه يسيراً وقد كتب الله له الجنة فإنه يقف على الصراط، ولا يعبر ولا يمر حتى يقضي الله جل في علاه في ط§ظ„ط®طµظˆظ…ط§طھ في هذا المكان والمحل، فكل إنسان له مظلمة عند أخيه حتى الدرهم والدينار فلا بد من القصاص حتى يرى منزله من الجنة أو من النار، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان له عند أخيه مظلمة فليتحلل؛ فإنه ليس ثمة درهم ولا دينار إنما الحسنات والسيئات)، فيقف الخصم مع خصمه على الصراط ولا يمرا حتى ينظفا من هذه البلايا، فيقضي الله جل في علاه بين هؤلاء المتخاصمين سواء في الدماء، أو في الأموال أو غيرها، لكن أول شيء يقضى فيه بين العباد: هو الدماء. ولذلك جاء في مسند أحمد عن عائشة بسند صحيح قالت: لله ثلاثة دواوين: ديوان لا يغفره أبداً، وديوان لا يتركه أبداً، وديوان هو في المشيئة، وإذا كان في المشيئة فهو إلى المغفرة أقرب إليه من العقاب؛ لأن الله جل وعلا اتصف بالمغفرة والرحمة. قالت: فالديوان الذي لا يغفره الله أبداً: هو ديوان الشرك، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]. والديوان الذي لا يتركه الله أبداً: هو ديوان المظالم الذي هو حقوق العباد؛ ولذلك لا يعبر أحد الصراط حتى يقتص منه، فعلى كل إنسان له مظلمة عند أخيه أن يتحلل؛ لأن يوم القيامة ليس ثمة درهم ولا دينار كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة ذات يوم فقال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: من لا درهم له ولا دينار، فقال: المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات كالجبال، فيجيء وقد سب هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته، وهذا من حسناته، وهذا من حسناته، حتى إذا لم تبق له حسنة واحدة أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) نعوذ بالله من ذلك، فمن كانت له عند أخيه مظلمة فليتحلل، فإما أن تستسمحه، وإما أن يتنازل عن حقه، فعلى المؤمن أن يتحلل من أخيه بأية وسيلة؛ فعند الله تجتمع الخصوم ويقضى بين العباد.كيفية الحساب
وهذا الحساب الثابت في الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة له أمور عديدة: الأمر الأول: كيفية محاسبة الله تعالى للخلق؛ فأقول: إن محاسبة الخلق أجمعين تكون كمحاسبة الرجل الواحد، وقد اندهش الصحابة لذلك وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فبين لهم وقال: (إنكم كما تسمعون صوته كرجل فسيحاسبكم كرجل واحد)، وهذا لا إشكال فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فصله بقوله: (ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فيذكره ويقول: عبدي! تذكر ذنب كذا يوم كذا، تذكر فعل كذا يوم كذا) والعبد يقر ولا يستطيع أن يرد على الله جل في علاه ولا أن يكذب؛ لأن الله جل في علاه يختم على الفم فتنطق الأيدي والأرجل بما كسبت، قال: (فينظر أيمن منه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يجد إلا ما قدم، وينظر بين عينيه فلا يرى إلا النار، فيظن أنه قد هلك، فيأتي الله جل في علاه للمؤمن الذي زل فيقول: عبدي! أنا قد سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم). ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو ويقول: (اللهم حاسبني حساباً يسيراً) فلما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحساب اليسير قال: (ينظر الله جل في علاه في الكتاب فيتجاوز عنك)، فيغفر لك الله جل وعلا هذه الزلات كما سترها عليك في الدنيا، اللهم استر علينا في الدنيا، واغفر لنا في الآخرة. إذاً: فالحساب حسابان: حساب يسير وحساب عسير، أما الحساب اليسير: فهو على المؤمنين بأن ينظر الله جل في علاه في كتب المؤمنين ثم يغفر لهم زلاتهم. أما لحساب العسير والعياذ بالله: فهي المناقشة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة : (من نوقش الحساب عذب)، فالمناقشة: أن يناقشه الله جل في علاه على كل نعمة أنعمها عليه، كنعمة العين ونعمة اليد واللسان والبدن والمال والأهل والولد، فيحاسبه الله على كل نعمة حساباً دقيقاً، ويحاسبه أيضاً على أوقاته وأعماله وعلى كل شيء فعله في هذه الدنيا، فتخبره الأيدي والأرجل، وتطيش الصحائف، فكل إنسان ألزمه الله طائره في عنقه فهو رقيب وحسيب على نفسه، فإذا ناقشه الله الحساب علم يقيناً أنه من أهل النار، نعوذ بالله من ذلك. أما الأمر الثالث الذي يتعلق بمسألة الحساب: فهو أن أول من يحاسب من الأمم هي هذه الأمة العظيمة التي شرفها الله جل في علاه؛ قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110] وهذه الخيرية عامة في الدنيا والآخرة، أما الخيرية في الدنيا: فالقيادة والريادة والسيادة إن تمسكت بهذا الدين، وأما الخيرية في الآخرة: فهي أول الأمم قضاءً بينهم، وهي أول من يحاسب تشريفاً وتعظيماً وتكريماً لهذه الأمة كما كرم الله وشرف وعظم نبيها بالمقام المحمود، وقد بينا أن لهذه الأمة ثلاث أولويات: أولها: أنها أول أمة تحاسب، كما بينا. ثانيها: أنها أول أمة تعبر الصراط، وما من نبي إلا ويقول عندها: اللهم سلم سلم. الثالثة: أنها أول أمة تدخل الجنة؛ تشريفاً وتعظيماً وتكريماً من الله جل وعلا لهذه الأمة، فهي أول من يحاسب، وأول من يمر على الصراط، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا وأمتي أول من يمر على الصراط)، وأول من يدخل الجنة. وأول حساب يحاسبه المرء: هو القضاء في الحقوق، والحقوق قسمات: حقوق لله وحقوق للعباد، أما حقوق الله: فالصلاة، وهي أول هذه الحقوق بعد التوحيد؛ لأننا نتكلم عن المسلمين، وهي أول ما يحاسب عليه المرء كما بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: (إذا صلحت صلحت سائر الأعمال، إذا فسدت فسدت سائر الأعمال).
[CENTER][/CENTER]
وزن الأعمال
ثم لابد بعد الحساب من زنة الأعمال، فإذا حاسب الله جل وعلا الناس فإن هذه الأعمال بعد المحاسبة توزن بكفة حقيقية، فكفة تكون للحسنات، وكفة تكون للسيئات، فتمام الحساب أن توزن الأعمال أو يوزن العاملون كما سنبين. قال الله تعالى مبيناً لنا حقيقة الميزان يوم القيامة: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [الأنبياء:47] وقال الله تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ [القارعة:6-8]، فذكر الموازين. وجاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه يرفعه قال: (أثقل ما يكون في ميزان العبد بعد تقوى الله حسن الخلق)، فحسن الخلق هو أثقل ما يكون في ميزان العبد، والشاهد من الحديث قال: (في ميزان العبد) فهو إثبات لوجود الميزان. كذلك حديث البطاقة الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف توضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة أخرى، ففيه دلالة على الميزان أيضاً. وقد أجمع أهل السنة والجماعة على حقيقة الميزان، وأن الله جل في علاه سيزن أعمال ط§ظ„ط¹ط¨ط§ط¯ فيه.
حقيقة ما يوزن يوم القيامة
وقد اختلف العلماء في حقيقة الموزون: فهل توزن الأعمال أم ط§ظ„ط¹ط¨ط§ط¯ الذين يعملون هذه الأعمال، أم هي الصحائف التي توزن؟ وهذا الخلاف منبثق عن أدلة جاءت بإثبات كل هذه الأنواع؛ أما الأدلة على وزن الصحائف: فحديث البطاقة، قال: (فتوضع سجلات بالسيئات في كفة، وسجلات الحسنات في كفة، ثم يرى المرء بأنه قد هلك؛ لأن السجلات بالسيئات قد رجحت فيقال له: لك عندنا شيء، فيقول: وما هذا الشيء؟ فيقال: هذه البطاقة، فيقول: وما تنفع هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: لا ظلم اليوم، فيأخذ البطاقة والبطاقة مكتوب فيها: لا إله إلا الله) لكن مدار هذه البشارات على القلوب؛ لأن كثيراً من الناس يقولون: لا إله إلا الله وليست لهم هذه الحظوة، وليست لهم هذه البشارة من ثقل بطاقة لا إله إلا الله، (فيضع البطاقة على كفة الحسنات فترجح كفة الحسنات) ففيه دلالة على وزن الصحائف. أما الذين قالوا بوزن العامل نفسه فقد استدلوا بأحاديث كثيرة منها: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة)، لضآلة مقداره عند الله جل في علاه، ففيه دلالة على أن الموزون هو العامل نفسه، واستدلوا كذلك بقصة: ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه عندما تسلق الشجرة فنظر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحكوا من دقة ساقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (علام تضحكون؟ قالوا: على دقة ساق ابن مسعود ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنهما كجبل أحد في الميزان يوم القيامة)، ففيه دلالة كذلك على أن الموزون هو العامل نفسه. وأما الذين قالوا بوزن العمل فقط فقد استدلوا بأحاديث كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم: (كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان)، وهذا وجه الشاهد؛ فقد بين أن هذه الكلمة: (سبحان الله وبحمده) ثقيلة في الميزان؛ فدل ذلك على الموزون هي الأعمال ذاتها. والصحيح الراجح في ذلك: هو الجمع بين هذه الأقوال، فنقول: إن المرء سيوزن؛ تقديراً وتعظيماً وتشريفاً للمؤمن؛ ليبين الله كرامة المؤمن عليه، ويبين أيضاً حقارة المنافق الفاسق الفاجر عليه. أما بالنسبة للأعمال والصحائف فإننا نقول جمعاً بين هذه الروايات: إن الصحائف ستوزن، فإذا وزنت الصحائف فمن باب أولى أن توزن الأعمال؛ لأن الصحائف تتضمن أعمال العباد. إذاً: الراجح: أن المرء يوزن وكذلك الصحائف المتضمنة للأعمال والله أعلم
اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسملين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات يوم يقوم الحساب
قال نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله
اللهم اجعل حسابنا يسيرا ولا تجعله عسيرا