النفس الإنسانية بين علم النفس الحديث وعلم النفس الإسلامي:
هناك تساؤل يطرح نفسه هو : لماذا تعجز المجتمعات الحديثة ـ بالرغم مما لديها من تطور هائل في التكنولوجيا وفي جميع وسائل الحياة ـ عن أن تخلق مجتمعاً آمناً ؟ لقد حدث هذا بناء على خطأ النظرية الغربية لدراسة علم النفس الإنسانية والحياة الإنسانية بمعزل عن الله ….. بعيداً عن الدين، فانحدرت الفضائل، وضاعت القيم والأخلاق…
ولقد بدأت تظهر حديثاً اتجاهات بعض علماء النفس في العصر الحديث تنادي بأهمية الدين في علاج الأمراض النفسية، وترى أن في الإيمان بالله قوة خارقة تمد الإنسان بطاقة روحية تعينه على تحمل مشاق الحياة، وتجنبه القلق الذي يتعرض له كثير من الناس الذين يعيشون في هذا العصر الحديث، هذا العصر الذي تغلب عليه الحياة المادية …
يتضح أن ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم قد سبق علماء النفس عندما أوضح لنا أهمية الإيمان في تحقيق ط§ظ„ط£ظ…ظ† النفسي، لأنه :
1. يزيد من ثقة الإنسان بنفسه.
2. يزيد من قدرته على الصبر وتحمل مشاق الحياة.
3. يبعث ط§ظ„ط£ظ…ظ† والطمأنينة في النفس، ويغمر الإنسان الشعور بالسعادة
وكان لابد كي نحقق ط§ظ„ط£ظ…ظ† ط§ظ„ظ†ظپط³ظٹ أن نتعرف على النفس الإنسانية معرفة شاملة واسعة تحيطنا علماً بكل جوانبها ومراحلها وأطوارها وآفاتها، والمعالجة الإسلامية لها، والأمراض النفسية التي تتعرض لها، وما تمر به هذه النفس من أحوال وأحاسيس ومشاعر. سينقلها هذا إلى المحور الرابع الذي يبين إعجاز ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم في العناية بالنفس الإنسانية.
إعجاز ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم في العناية بالنفس الإنسانية:
لقد عني ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم عناية شاملة بالنفس الإنسانية بحيث أنه لم يترك زاوية من الزوايا أو جانباً من الجوانب إلا وتعرض لها، فلقد تناول نفوس الناس وقلوبهم، وعرف أنه هنا يكمن سر قوة الإنسان، فالإصلاح يبدأ منها وينتهي إليها، ولذلك فإن عناية ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم بالنفس كانت من الشمول والاستيعاب بما يمنح الإنسان معرفة صحيحة بالنفس ـ وقاية وعلاجاً ـ دون حساب طاقة أخرى.
وهذا وجه الإعجاز والروعة في عناية ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم بالنفس الإنسانية.. إذا أنها عناية لم تترك زاوية من زوايا النفس .. أنه خالق النفس الإنسانية العليم بأسرارها وخفاياها.. إنها عناية من : (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (غافر : 19)، (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد )(ق: 16).
وترجع عناية ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم بالنفس الإنسانية إلى أن الإنسان ذاته هو المقصود بالهداية والإرشاد والتوجيه والإصلاح، فإذا ما أريد أن يصل إلى ما له وما عليه، فلابد أن يستكشف نفسه لتتضح له سائر جوانبها ونوازعها، حتى يكون على بصيرة منها وعلى مقدرة من ضبط وتقويم سلوكها.
ووجوه إعجاز ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† في حديثه عن النفس الإنسانية كثيرة نذكر منها:
1. تعرض ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم إلى ما يتعلق بالخواطر والوساوس والهواجس والأحاسيس من فرح وحزن وائتناس وانقباض وانبساط وارتجاف واطمئنان وقلق واضطراب.
2. أرشدنا إلى أمراض وعلل النفس وألوان قصورها وأوجه قوتها ونشاطها وكمالاتها وأنماط علاجها وصحتها وعافيتها.
3. يذكر لنا ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم الآفات النفسية مثل : الرياء، الحقد، الحسد، الغيرة، الغرور، الغضب، الغفلة، الطمع.. الخ، والمعالجة الإسلامية لها.
4. تحدث ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم عن صفات النفس الإنسانية التي ترتكز في :
1. الضعف : (الله الذي خلقكم من ضعف)(الروم : 54) (وخلق الإنسان ضعيفاً)(النساء : 28).
2. البخل : (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خير لهم)(آل عمران: 180).
3. الشهوة: (زين للناس حب الشهوات)(آل عمران: 14).
4. الجهل : (وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً )(الأحزاب: 72).
5. تحدث ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم، أيضاً عن أوصاف النفس الإنسانية، فكما أن لها صفات فطرية تعتبر من تركيبتها الأولى ومن جبلتها، فإن لها أوصافاً تعرف بها وأشكالاً ظاهرة تتشكل بها، وأماني شيطانية تمضي إليها، ومظاهر لا تستطيع منها خلاصاً إلا بالمشيئة الإلهية.
وبصفة عامة، تقسم درجات النفس وأحوالها ومقاماتها إلى أقسام سبعة هي :
1. النفس الأمارة
2. النفس اللوامة
3. النفس الملهمة
4. النفس المطمئنة
5. النفس الراضية
6. النفس المرضية
7. النفس الكاملة
ونجد أنه أثناء هذه الرحلة الطويلة.. رحلة صعود النفس في السلم الروحي.. تعالج النفس شيئاً فشيئاً من آفاتها ونقائصها وعثراتها. وجدير بالذكر أنه لا يمكن الفصل مطلقاً بين حال النفس الأمارة وحال النفس المطمئنة، فالنفس واحدة ولكن أحوالها متعددة، وسماتها متباينة.. ومقاماتها مختلفة، وهي تحوي الفضيلة والرذيلة.. الخير والشر .. الشرك والتوحيد.. النور والظلام.
والإنسان يحوي طبيعة النفس الأمارة بالسوء التي تسير وفق هواها ويقودها طمعها ولذاتها وشهواتها، كما تحوي النفس طبيعة خيرة نورانية تبحث عن الحقيقة وتنشد معرفتها.
وهناك صراع دائم بين النفس الأمارة وبين النفس المطمئنة في الإنسان، فأصعب شيء على النفس المطمئنة أن تتخلص من براثن الشيطان، ومن هوى النفس الأمارة، فلو علمت النفس الأمارة أن عملها إنما هو طاعة لله لنجت من العذاب والعقاب، ولكن النفس الأمارة والشيطان يقفا لها بالمرصاد فلا يدعا لها عملاً واحداً من أعمال الخير والطاعة يصل إلى الله تعالى : ولذلك يقول بعض العارفين: (إن عملاً واحداً، خالصاً لله، إذا وصل إليه تعالى لكنت فرحت بالموت كفرح الغائب الذي يعود إلى أهله).
ويقول في ذلك عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما) : (لو أعلم أن الله تقبل مني سجدة واحدة، فلا شيء أحب لي من الموت).
وإذا وصلت النفس إلى هذا المقام .. أي مقام النفس المطمئنة وجاهدت، فإنها ترقى إلى مقام النفس الراضية، ثم المرضية، ثم الكاملة، وهي مراتب نفوس الأنبياء والأولياء الصالحين أصحاب الدرجات العليا.
ومن ذلك كله نستطيع أن نستبين أن نفس الإنسانية واحدة، ولكن لها صفات جبلت عليها وأوصاف وصفت بها وأحوال تعيش فيها، وسمات تتصف بها، وهذه السمات لا تظهر ولا تتبلور إلا إذا سعى الإنسان إلى طريق الله وتخلص من آفات وشهوات نفسه الأمارة التي جبل عليها حتى ترقى النفس.. وتصل إلى أعلى المقامات بفضل الله وحده ورحمته ونعمته.
القرآن الكريم وأثره في تحقيق ط§ظ„ط£ظ…ظ† ط§ظ„ظ†ظپط³ظٹ والسكينة والطمأنينة والسلام الروحي:
الحياة كنز ونفائس .. وأعظمها الإيمان بالله.. وطريقها منارة ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم.. فالإيمان إشاعة الأمان… والأمان يبعث الأمل .. والأمل يبعث السكينة .. والسكينة نبع للسعادة حصادها أمن وهدوء نفسي. فلا سعادة لإنسان بلا سكينة نفس، ولا سكينة نفس بغير إيمان القلب. فإذا كانت السعادة شجرة منبتها النفس الإنسانية البشرية والقلب الإنساني، فإن الإيمان بالله وبالدار الآخرة هو دواؤها وغذاؤها وضيائها..
.
لا شك أن في ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم طاقة روحية هائلة ذات تأثير بالغ الشأن في نفس الإنسان، فهو يهز وجدانه، ويرهف أحاسيسه ومشاعره، ويصقل روحه، ويوقظ إدراكه وتفكيره، ويجلي بصيرته، فإذا بالإنسان بعد أن يتعرض لتأثير ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† يصبح إنساناً جديداً كأنه خلق خلقاً جديداً. إن كل من يقرأ تاريخ الإسلام ويتتبع مراحل الدعوة الإسلامية منذ أيامها الأولى، ويرى كيف كانت تتغير شخصيات الأفراد الذين كانوا يتعلمون الإسلام في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم، يستطيع أن يدرك إدراكاً واضحاً مدى التأثير العظيم الذي أحدثه ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم ودعوة الإسلام في نفوسهم.
وتمدنا دراستنا لتاريخ الأديان، وخاصة تاريخ الدين الإسلامي، بأدلة عن نجاح الإيمان بالله في شفاء النفس من أمراضها، وتحقيق الشعور بالأمن والطمأنينة، والوقاية من الشعور بالقلق وما قد ينشأ عن من أمراض نفسية.
وأن الإيمان بالله إذا ما بث في نفس الإنسان منذ الصغر فإنه يكسب مناعة ووقاية من الإصابة بالأمراض النفسية.
وقد بين ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم ما يحدثه الإيمان من أمن وطمأنينة في نفس المؤمن بقول الله تعالى : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم ط§ظ„ط£ظ…ظ† وهم مهتدون)(الأنعام: 82)، (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )(الرعد: 28)، (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم)(التغابن).
وتتحقق للمؤمن سكينة النفس وأمنها وطمأنينتها، لأن إيمانه الصادق بالله يمده بالأمل والرجاء في عون الله ورعايته وحمايته، فالحب هو الجوهر الوحيد الذي يعطينا الأمان والاستقرار والسلام والإيمان، وحده هو ينبوع الحب الصافي. والمؤمن بعقيدة الإسلام نفذ إلى سر الوجود فأحب الله واهب الحياة، أحبه حباً عظيماًن وأحب الكتاب الذي أنزله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور وأحب النبي الذي أرسله رحمة للعالمين، وأحب كل إنسان من فعل الخير والصلاح للذين يحبهم ويحبونه.
ومن أجل تحقيق ط§ظ„ط£ظ…ظ† والسكينة للنفس الإنسانية أعطى الله سبحان وتعالى الحرية في الإعتقاد الديني ودعا إلى الألفة والمحبة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ويرتبط الإيمان بالأمن والطمأنينة والبركة والهداية : (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم ط§ظ„ط£ظ…ظ† وهم مهتدون)(الأنعام: 82).
(الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) (الرعد:28).
(ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض)(الأعراف: 96).
فالإيمان هو الذي يقودنا إلى الأمان والطمأنينة والسعادة. وأن يصبح الإنسان مهتد في كل لحظة من حياته. ولكن كيف نسلح أنفسنا بالأمن النفسي، حتى تصبح نفوسنا قوية بالأمن مطمئنة تستطيع أن تواجه صعاب الحياة ومشكلاتها؟
السبل والأسس الإسلامية التي تحقق ط§ظ„ط£ظ…ظ† ط§ظ„ظ†ظپط³ظٹ من هدى ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم:
*الاعتصام بالله واللجوء إليه * العبادات : 1)الصلاة 2)الصيام 3) الحج 4) الزكاة * ذكر الله وتلاوة ط§ظ„ظ‚ط±ط¢ظ† الكريم ، تقوى الله * طاعة الله * التوبة * الصبر * الصبر * الإخلاص ، الصفح الجميل * الرضا * شكر الله * محبة الله
بقلم/الأستاذة ناهد عبد العال الخراشي
باحثة في العلوم الإسلامية
وجزاك الله خيــــــــــر ,,
سعدت بمرورك
موضوع مميز
يعطيك العافيه
وربي يسعدك
وشكرا على مرورك