السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال:
إذا أراد المرء أن يختم القرآن هل يجب قراءة القرآن بالتسلسل ؟
الجواب: الحمد لله
الأفضل قراءة القرآن على ترتيب السور الوارد في المصحف
وهو الترتيب الذي عرض به جبريل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم
في آخر حياته
انظر : "التحبير في علم التفسير" للسيوطي ص 637 .
قال النووي رحمه الله في "التبيان" :
" قال العلماء رحمهم الله : الاختيار أن يقرأ على ترتيب المصحف ، فيقرأ الفاتحة
ثم البقرة ثم آل عمران ، ثم النساء إلى أن يختم بـ ( قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس )
سواء قرأ في الصلاة أم خارجاً عنها ، ويستحب أيضاً إذا قرأ سورة
أن يقرأ بعدها السورة التي تليها
ولو قرأ في الركعة الأولى : ( قُلْ أَعوذ بربِ النَّاس ) يقرأ في الثانية من البقرة
ودليل هذا :
أن ترتيب المصحف لحكمة
فينبغي أن يحافظ عليها إلا فيما ورد الشرع باستثنائه
كصلاة الصبح يوم الجمعة ، يقرأ في الركعة الأولى : ( ألم تَنزيل )
وفي الثانية : ( هَلْ أتَى ) وصلاة العيدين (قاف) و (اقتربت) .
أما
لو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ التي قبلها
أو خالف الموالاة فقرأ قبلها ما لا يليها جاز وكان تاركاً للأفضل
وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفقٌ على منعه وذمِّه
فإنه يُذهب بعض أنواع الإعجاز ، ويزيل حِكمة الترتيب "
انتهى كلام النووي
وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها
ما يدل على عدم وجوب قراءة القرآن مرتباً !
عن يُوسُفُ بْنُ مَاهَكٍ قَالَ :
إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
إِذْ جَاءَهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ . قَالَتْ : لِمَ ؟ قَالَ :
لَعَلِّي أُوَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ . قَالَتْ : وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ ؟
إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنْ الْمُفَصَّلِ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ،
حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلامِ نَزَلَ الْحَلالُ وَالْحَرَامُ ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ :
لا تَشْرَبُوا الْخَمْرَ . لَقَالُوا : لا نَدَعُ الْخَمْرَ أَبَدًا ! وَلَوْ نَزَلَ : لا تَزْنُوا .
لَقَالُوا : لا نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا ! لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ : ( بَلْ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )
وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلا وَأَنَا عِنْدَهُ .
روى البخاري (4993)
قال الحافظ :
" اَلَّذِي يَظْهَر لِي أَنَّ هَذَا الْعِرَاقِيّ كَانَ مِمَّنْ يَأْخُذ بِقِرَاءَةِ اِبْن مَسْعُود ,
وَكَانَ اِبْن مَسْعُود لَمَّا حَضَرَ مُصْحَف عُثْمَان إِلَى الْكُوفَة لَمْ يُوَافِق عَلَى الرُّجُوع
عَنْ قِرَاءَته وَلا عَلَى إِعْدَام مُصْحَفه
فَكَانَ تَأْلِيف مُصْحَفه مُغَايِرًا لِتَأْلِيفِ مُصْحَف عُثْمَان
( تأليف المصحف هو جمع سوره مرتبة ) وَلا شَكّ أَنَّ تَأْلِيف الْمُصْحَف الْعُثْمَانِيّ
أَكْثَر مُنَاسَبَة مِنْ غَيْره , فَلِهَذَا أَطْلَقَ الْعِرَاقِيّ أَنَّهُ غَيْر مُؤَلَّف
قَالَ اِبْن بَطَّال :
لا نَعْلَم أَحَدًا قَالَ بِوُجُوبِ تَرْتِيب السُّوَر فِي الْقِرَاءَة لا دَاخِل الصَّلاة وَلا خَارِجهَا ,
بَلْ يَجُوز أَنْ يَقْرَأ الْكَهْف قَبْل الْبَقَرَة وَالْحَجّ قَبْل الْكَهْف مَثَلا
,
وَأَمَّا مَا جَاءَ عَنْ السَّلَف مِنْ النَّهْي عَنْ قِرَاءَة الْقُرْآن مَنْكُوسًا
فَالْمُرَاد بِهِ أَنْ يَقْرَأ مِنْ آخِر السُّورَة إِلَى أَوَّلهَا , وَكَانَ جَمَاعَة يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الْقَصِيدَة مِنْ الشِّعْر
مُبَالَغَة فِي حِفْظهَا وَتَذْلِيلا لِلِسَانِهِ فِي سَرْدهَا , فَمَنَعَ السَّلَف ذَلِكَ فِي الْقُرْآن فَهُوَ حَرَام فِيهِ .
وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض :
وَتَرْتِيب السُّوَر لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي التِّلاوَة وَلا فِي الصَّلاة وَلا فِي الدَّرْس وَلا فِي التَّعْلِيم
فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَتْ الْمَصَاحِف ,
فَلَمَّا كُتِبَ مُصْحَف عُثْمَان رَتَّبُوهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ الآن ,
فَلِذَلِكَ اِخْتَلَفَ تَرْتِيب مَصَاحِف الصَّحَابَة ثُمَّ ذَكَرَ نَحْو كَلام اِبْن بَطَّال
" انتهى من فتح الباري ملخصاً "
دمت بحفظ الرحمن .